كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
إشارة إلى إظهار المناسبة بين الموضوع الأصليّ وهو الاعتماد المؤلم وبين ما استعمل فيه مناسبة وأشار إلى أنّ فيه معنى الجعل ولهذا جوّز تعديته إلى مفعول واحد والى مفعولين وأمّا أخذه من ضربك أي مثلك على معنى أن يمثل لهم مثلاً كما ذكره في سورة يس، فلم يذكره لأنه مرجوج ههنا، وفيه إشارة إلى أنّ المضرب والمورد في أمثاله تعالى لا يفترقان وإنه تعالى ضربه أشد لا أنه شبه المضرب بالمورد وأنه متناول للتشبيه التمثيليّ والاستعارة التمثيلية فاشية كانت أولاً. قوله: (وأصله وقع شيء على آخر) أي معنى الضرب الحقيقي هو إيقاع شيء على شيء وهل يعتبر قصد الإيلام فيه أولاً فيه كلام لهم وقال الراغب الضرب إيقاع شيء على شيء وضمرب المثل من ضرب الدراهم وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره فهذا مجاز متفرّع على مجاز آخر ملحق بالحقيقة لاشتهاره أو هو حقيقة عرفية وقوله وأن بصلتها مخفوض الخ في الكشاف أن استحيا يكون متعدّيا بالحرف وبنفسه وعلى الأوّل اقتصر المصنف رحمه الله تبعا للراغب إمّا لأنه الأفصح أو لأنّ الآخر عنده من الحذف والإيصال وحينئذ فمحل المصدر إفا نصب أو جز على الخلاف المشهور وعلى الثاني نصب قطعا، وما قيل: من أنّ يستحيي إذا كان بمعنى يترك استغنى عن حرف الجرّ لأنّ الترك يتعدى بنفسه فإن كان بمعناه الحقيقيّ يجب تقدير الحرف غفلة عن أنّ المجاز المخالف لأصله في التعدية يجوز فيه النظر لأصله، ولمعناه المجازي كما قرّرناه في محله فتدبر. قوله: (وما إبهامية تزيد النكرة إبهاماً الخ) يعني أنها اسم بمعنى شيء يوصف به النكرة لمزيد الإبهام وسذ طريق التقييد وقد يفيد مع ذلك معنى آخر كالتحقير في نحو أعطاه شيئاً ما والتعظيم في نحو لا مرّ ما جدع قصير أنفه والتنويع في نحو اضربه ضربا ما وهذا مما يتفرع على الإبهام فهي على هذا اسم يوصف به كما يكون موصوفا وبه صرّج النحاة كابن هشام وغيره، وقال أبو البقاء: إنها نكرة موصوفة فقدر صفتها وجعل بعوضة بدلاً منها وغيره جعلها صفة لها واليه ذهب الفرّاء والزجاج وثعلب فما بدل من مثلا وجعلها الزمخشرفي في المفصل زائدة وهو مذهب لبعض النحاة فيها كما في الدرّ المصون فليس بين كلاميه منافاة ومعارضة كما توهم فإن قلت يستحي مآل معناه يترك كما مرّ فعلى العموم يصير المعنى إنّ الله لا يترك أيّ مثل كان فيقتضي أنّ جميع
الأمثال مضروبة في كلامه وليس كذلك قلت ليس المنفيّ مطلق الترك بل الترك لأجل الاستحياء فالمعنى لا يترك مثلاَ ما استحياء وإن تركه لأمر آخر أراده، ومن هنا يظهر لك أنه استعارة ووجه عدم التفاتهم لكونه مجازاً مرسلا كما مرّ. قوله: (أو مزيده للتثيد الخ الما توهم أنّ الزائد حشو ولغو فلا يليق بالكلام البليغ فضلا عن المتحلي بحلية الإعجاز دفع بأنه إنما يكون كذلك لو لم يفد أصلاً وليس كذلك، فالمراد به ما لم يوضع لمعنى يراد به وإنما وضع ليقوّي الكلام ويفبده وثاقة فلا يكون لغواً ولذا سموه في القرآن صلة ولم يطلقوا عليه الزائد تأدّبا وان كانت زائدة باعتبار عدم تغير أصل المعنى بها، واستشكل ببعض الحروف المفيدة للتأكيد مثل إنّ واللام حيث لم تعد صلة فإن اشترط عدم العمل انتقض بلام الابتداء حيث لم تعمل وبزيادة بعض الحروف الجارّة حيث عملت وقد تكون حروف الصلة لتزيين اللفظ واقامة الوزن والسجع وزيادة الفصاحة، وقيل عليه أن من الزائدة بعد النفي تفيد الاستغراق كما ذكره الزمخشريّ في تفسير قوله تعالى: {مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} أسورة الأعراف، الآية: 80] فقد يغير بها أصل المعنى فيخالف ما ذكر. المصنف وغيره وليس بوارد لأنّ النكرة في النفي تفيد الاستغراق وتحتمله فقد كان الكلام دالاً عليه ومن أكدته ولم تغيره ولذا شرط في زيادتها على الأفصح تنكير مجرورها وسبق النفي عليها وهو مسبوق بهذا الاعتراض، وأشار العلامة في شرح الكشاف إليه وإلى دفعه بأن ما وضع للتأكيد يقصد جعله لفظا ومعنى جزءاً منه. فمعنى قولنا إنّ زيداً قائم قيام زيد ثابت محقق ولذا دفع به الإنكار وجعل نظير الجص بين الآجر والمسامير بألواح الباب التي تعذ جزءاً منه ولا ينتفع به فيما قصد منه بدونها والزائد لم يقصد به ذلك فهي كالضبة التي ليست جزءاً منه وإنما تفيد وثاقة فهو باعتبار المراد وضعا مهمل ومشابه لغير المهمل والتأكيد هنا إمّا لمثلاً فيكون بمعنى حقاً أو الجملة فيكون بمعنى البتة