كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

فأذهب الحز بردي وأذهب البعض كلي
وأراد بالبرد النوم وبالبعض لسع البعوض ففيه مع التورية الإبهام وحسن التقابل. قوله:
(أو ما إن جعلت اسماً الخ) يعني أنّ هذه الفاء عاطفه ترتيبية بحسب الرتبة على كلا معنيي فما
فوقها من التنزل والترقي وظاهره أنّ صحة العطف على ما جار على جميع وجوه الاسمية سواء كان موصولاً أو موصوفا أو استفهاما وقد صرح به من قال: ما الأولى إن كانت صلة أو إبهامية وتلنا إنّ الإبهامية حرف فالثانية معطوفة على بعوضة وان كانت ما الأولى اسماً سواء كانت مرصولة أو موصوفة أو استفهامية فالثانية معطوفة عليها ومحلها محلها من الرفع والنصب السابق، وقيل إنه ليس على إطلاقه بل هو مخصوص بما إذا كانت اسما موصولاً أو موصوفا على رفع بعوضة أما إذا جعلت اسما مبهماً صفة لمثلا فلا يحتمل قوله فما فوقها العطف عليه ولصرصور الحال أطلق المقال وقيل: أيضاً إنه على تقدير الاستفهام لا يصح العطف أيضاً لأنّ بعوضة خبره فيصير ما فوق البعوضة بعوضة فالتعميم والإطلاق ليس بصحيح فتدبر.! قوله:) ومعناه ما زاد عليه في الجثة الخ) في الكشاف فما فوقها فيه معنيان أحدهما فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلاً وهو القلة والحقارة نحو قولك لمن يقول فلأن أسفل الناس وأنذلهم هو فوق ذلك تريد هو أبلغ وأعرق فيما وصف به من السفالة والنذالة والثاني فما راد عليها في الحجم الخ. والى هذين المعنيين أشار المصنف رحمه الله إلا أنه عكس ترتيبه، ن الثاني يتبادر من الفوقية والزمخشري قدمه لما سيأتي فالمراد على الأوّل بالفوقية الزيادة في حجم الممثل به فهو ترق من الصغير للكبير وعلى الثاني الزيادة والفوقية في المعنى الذي وقع التمثيل فيه وهو الصغر والحقارة فهو تنزل من الحقير للأحقر قيل: والأوّل أوفق بسبب نزول الآية والثاني أقضى لحق البلاغة وفيه نظر، والذي ارتضاه المدقق في الكشف إن ما قدمه الزمخشريّ وجعله المصنف ثانيا أولى واليه ميل المحققين، قال: وهو الحق لأنه المعنى الذي سيق له الكلام ولأنه المطابق للمبالغة، وأما الحمل على الثاني فلا يظهر وجهه إلا إذا خص لمورد النزول وأنه كان في نحو الذباب والعنكبوت أو بجعل البعوضة عمود التحقير وكلاهما غير ظاهر وهذان الوجهان على المشهورة وأما على قراءة الرفع فإن جعلت ما موصولة ففيه الوجهان وان جعلت استفهامية فقد أوضحه حق الايضاح وبين أنّ المعنى فما فوقها في الحجم لقوله ما دينار وديناران وحينئذ يتعين هذا المعنى لأنّ العظم مبتدأ من البعوضة إذ ذاك فافهم،) أقول (: وكون الثاني أبلغ وأوفق بسبب النزول مسلم وأمّا إنه على الثاني لا بدّ من التخصيص أو جعل البعوضة عمود التحقير فلا لأنه لو قصد التعميم وتسوية الصغير والكبير في صحة التمثيل وحسن موقعه كان حسنا ظاهراً كما لا يخفى كأنه قيل: في الردّ عليهم للعليم الخبير أن لمثل بكل صغير وكبير بحسب مقتضى الحال! من غير نكير، وكأنه لهذا لم يعرّح عليه غيره من الشراح وغير المصنف رحمه الله الترتيب فتدبر. قوله: (كأنه قصد به رذ ما استنكروه) أي عدّوه منكراً وان لم يكن كذلك كما يقال استقبحه واستجهله وقد عزى هذا البعض السلف كقتادة فالمراد بما فوقها ما هو أكبر جثة كالكلب والحمار وهو ردّ على الجهلة القائلين إنّ الله أجل من ان يضرب الأمثال بالمحقرات من الذباب والعنكبوت وليس قوله كأنه إشارة إلى ضعف هذا
الوجه لما مر لأنه عبر بذلك أيضا في الوجه الآخر حيث قال: قبل هذا كأنه لما ردّ استعبادهم الخ لأت توجيه بما سمعته آنفاً فمن قال في حواشيه هنا قوله فما فوقها ترقياً من البعوضة إلى ما هو أكبر منها فإنّ الكفار لما استنكروا ضرب المثل بالذباب والعنكبوت وكان يتصوّر أن يتحقق ما هو أحقر منهما وأصغر ى ن المناسب في ردّ كلامهم أن يذكر ذلك الأحقر والأصغر ليترقى منه إلى ما ذكروه من الذباب والعنكبوت فيقال لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فضلا عما يقود ونه لم يطبق مفاصل الكلام، ولم يقرب من المرام نافهم. قوله: (ونظيره في الاحتمالين الخ) المراد بالاحتمالين ما فسر به ما فوقها، وقوله أو في المعنى عطف على قوله في الجثة وهو الوجه الثاني، والمراد بما فوقها فيه الأصغر

الصفحة 90