كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

بهتان وزور وقال الشارح الفاضل: هنا في شرح قوله في الكشاف وقد جوّزوا عكس ذلك أنه يعني إذا اتفق السائل والمخبر على الفعل وكان السؤال عن المتعلق بخلاف مثل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [سورة النحل، الآية: 24] فإنه بالرفع لأنه في المعنى نفي الإنزال أي هذا الذي تزعم أنه منزل هو أساطير الأوّلين فلا يصح تقدير الفعل كما سيجيء لحقيقه وتفصيله.
وقال بعض الفضلاء: بعدما أو! ده المدعي هنا أنّ الأحسن في الجواب الرفع وهذا ليس لجواب بل ردّ لما اعتقدوه، والجواب أن تعطيه ما يطلبه منك ثم إنه لا جواب لقوله ماذا أراد الله بهذا مثلا لأنه استفهام إنكارفي ونفي لكون مراد الله فيه ومن حقه نفي أن يكون منه تعالى! على هذا لا يصح أن يكون يضل به كثيراً جواب ماذا أراد الله وأيضا: ماذا أراد الله مذكور على سبيل النقل فلا يطلب له جواب، ولذا لم يلتفت إليه في الكشاف. (أقول) : قد سمعت ما لعرف به الحق الحقيق بالقبول هنا، وما ذكره الفاضل غير مسلم لأن اللازم النظر إلى حال السؤال بحسب الظاهر ثم تطبيق جوابه عليه سواء كان مقول قول أم لا على أنا نقول ما قاله غير موافق لما نحن فيه فإنه كيف يتفق على الفعل ومرادهم في الحقيقة إنكار صدور المثل المذكور عن الله وهو يستلزم إنكار كونه مرادا لله كما لا يخفى وما ذكره المعترض! لا محصل له فإنهم لم يدعوا أنّ قوله يضل به جواب حقيقة كما سيأتي تحقيقه، فلا يلتفت إلى القيل والقال: فماذا لعد الحق إلا الضلال. قوله: (والإرادة نزوع النفس وميلها الخ) عطف الميل على النزوع للتفسير فإنه يقال نزع بمعنى اشتاق ومال كما يقال: نزع عن الأمر إذا ك! عنه وأمسك بلا خلاف بين أهل اللغة فيه، وإنما الخلاف في المصدر فانه سمع فيه أيضا نزعا ونزاعاً ونزوعا! هل يختلف المصدر فيه أم لا وليس هذا محله وأصل معنى الميل الانعطاف ثم صار حقيقة عرفية في المحبة والقصد وهو المراد هنا، وقوله: بحيث الخ متعلق به وحمل الميل للنفس على الفعل جعلها متوجهة لإيقاعه والكلام في الإرادة من جهتين من جهة معناها اللغويّ ومن حهة المراد بها في لسان الثارع في وصف الله تعالى أو العبد بها وقول المصنف رحمه الله: لروع النفس الخ بيان لمعناها اللغوي. قال الراغب: الإرادة منقولة من راد يرود إذا سعى في طلب شيء وهي في الأصل قوّة مركبة من شهوة وخاطر وأمل وجعلت اسماً لنزوع النفس إلى الئيء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ثم تستعمل مرة في المبدأ وهو نزوع النفس الى الشيء وتارة في المنتهى وهو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل اهـ فما قيل: هنا
من أنّ كون إرادة المعنى من اللفظ من هذا القبيل فيه بحث والظاهر أنّ الإرادة في الآية من هذا القبيل انتهى ليس بشيء لأنّ الإرادة فيما ذكره لمجرّد القصد وهو استعمال آخر وسواء قلنا إنه مشترك فيه أو مجاز صار حقيقة عرفية لا يرد نقضاً على الآخر وكذا ما قيل: بعد نقل ما في شرح المواقف من أنه يصدق على الشهوة وهرب غير الإرادة فإنّ المصنف بصدد تحقيق أصل معناه لغة لا ما ذكره المتكلمون وما ادّعاه من مغايرة الشهوة للإرادة ليس كذلك فإن بينهما عموماً وخصوصاً كما صرّح به الصدر في رسالة إثبات الواجب وهو المفهوم من كلام الراغب، وقد قالوا إنّ الإرادة قد تتعلق بنفسها بخلاف الشهوة التي هي توقان النفس إلى الأمور المستلذة فانها لا تتعلق بنفسها وإنما تتعلق باللذات وإذا ذكرت متعلقة بنفسها كانت مجازاً عن الإرادة كما قيل: لمريض ما تشتهي فقال: أشتهي أن أشتهي يعني أريد أن أشتهي والإنسان قد يريد شرب الدواء البثع ولا يشتهيه وقد يشتهي الطعام اللذيذ ولا يريده إذا علم أنّ فيه هلاكه فقد وجد كل منهما بدون الآخر وقد يجتمعان في شيء واحد فبينهما عموم وخصوص بحسب الوجود، وقوله: وتقال للقوّة الخ قد مرّ تحقيق معنى القوّة فتذكره، وقيل الإرادة في حقنا عبارة عن ميل النفس الدّي يعقبه اعتقاد يقع في المراد وأما العزم فنوع من الإرادة لأنه إرادة جازمة بعد نوع تردد سابق والإرادة لا تقتضي سبقه وقال الإمام لا حاجة إلى تعريف الإرادة لأنها ضرورية فإنّ الإنسان يدرك بالبديهة التفرقة بين إرادته وعلمه وقدرته وألمه ولذته، ثم حدها بأنها صفة تقتضي رجحان أحد طرفي

الصفحة 94