كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

الجائز على الآخر في الوقوع لا الإيقاع. قال: وبالقيد الأخير احترز عن القدرة. قوله: (والأوّل مع الفعل) أي الأوّل من معنى الإرادة اللغوية المذكورة في كلامه وهو الميل الحامل على إيقاع الفعل وإيجاده يكون مع الفعل وبجامعه وان تقدم عليه بالذات لأنه الحامل والباعث وهذا لا يقتضي إيجاده بالاستطاعة وهي القدرة التامّة المستجمعة لجميع شرائط التأثير بمعنى العلة التامّة والإرادة جزء منها إلا أنها مع الفعل بمنزلة جزء العلة الأخير ولما كان الثاني بمعنى القوّة وهي الصفة القائمة بالحيوان التي هي مبدأ الميل إلى أحد طرفي المقدور وإيقاعه كان قبله لأنه إذا وجد يعطي حكم تلك القوة بخروجه من القوّة إلى الفعل، أو المراد بها ما لم يكن معه جميع جهات حصول الفعل، والحاصل كما في شرح المقاصد أنّ القوّة مع جميع جهات حصول الفعل بها لزوماً أو معها عادة مقارنة وبدون ذلك سابقة فلا غبار على ما ذكر، وقوله وكلا المعنيين الخ عدم تصوّر الميل النفساني والقوّة التي هي مبدؤه في حقه تعالى ظاهر وكلا مبتدأ وغير متصوّر خبره واتصاف نائب فاعل متصوّراً ومبدأ وغير خبر مقدم والجملة خبر كلا ولا حاجة إلى جعله على نهج قوله:
غير مأسوف على زمن
قوله: (فقيل إوادته لأفعاله الخ الما كان معنى الإرادة السابق لا يليق بذاته تعالى فسر
إرادته بتفاسير للمتكلمين من أهل السنة وغيرهم فأوّلها ما ذهب إليها المعتزلة كالكلبيّ والنجار
وكيرهما من أنّ معنى إرادته تعالى لأفعاله أنه يفعلها عالماً بها وبما فيها من المصلحة ولأفعال غيره أنه أمر بها وطلبها، وهذا هو مرضي صاحب الكشاف كما صرّح به في سورة السجدة وهو امر عدميّ بالنسبة إليه تعالى ووجوديّ بالنسبة لغيره فإما أن يكون موضوعا لمعنى شامل لهما، أو يقال: هو مشترك بينهما أو مجاز في الثاني فليس من الصفات السلبية على الإطلاق كما فيل 0 قوله: (فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته) لأنّ العبد يخلق أفعاله عندهم بإرادته وارادة الله لها بمعنى أنه أمرهم بها وهو لا يأمر بالفحشاء ولا يريد المعاصي عندهم لأنّ الإرادة مذلول الأمر أو لازمه وأدلتهم مفصلة في كتب الكلام، وقد ردّ مذهبهم بأنه مخالف لما اشتهر من أنّ ما شاء الله كان وما لم يشألم يكن وأنه لا يجري في ملكه إلا ما يشاء وأن الأمر قد ينفك عن الإرادة كأمر المختبر فإنّ السلطان لو توعد بعقاب السيد على ضرب عبده من غير مخالفة فاذعى مخالفته له وأراد تمهيد عذره بعصيانه له بحضرة السلطان فيأمر العبد ولا يريد منه الإتيان بالمأمور به بل ظهور عصيانه، وقال: خاتمة المحققين جلال الملّة وا أط ين الأمر أمران أمر تكوين يلزم منه وقوع المأمور به وهو يعم سائر الممكنات وأمر تشريع وعليه مدار الثواب والعقاب والطاعة هي الإتيان بما يوافق الأمر الثاني والرضا يترتب عليه. قوله: (وقيل علمه باشتمال الآمر على النظام الخ) هذا رأي الجاحظ وبعض المعتزلة إليه ذهب الحكماء فقالوا: إرادته تعالى هي علمه بجميع الموجودات من الأزل إلى الأبد وبأنه كيف ينبغي أن يكون نظام الوجود حتى يكون على الوجه اكمل وبكيفية صدوره عنه حتى يكون الموجود على وفق المعلوم على أحسن النظام من غير قصد وطلب شوقيّ ويسمون هذا العلم عناية والأمر شامل للفعل والترك والنظام اكمل بالنظر إلى العالم والوجه الأصلح بالنظر إلى العبد وقوله فانه الضمير للعلم أي العلم يدعو القادر على الأمر المذكور إلى تحصيله، وهذا بناء على أنّ الإرادة ليست سوى الداعي إلى الفعل في الشاهد والغائب جميعا أو في الغائب خاصة، قالوا وهو العلم أو الاعتقاد أو الظن باشتمال الفعل أو الترك على المصلحة ولما امتنع في حق الباري الظن والاعتقاد كان الداعي في حقه تعالى هو العلم بالمصلحة وبمثل نظام جميع الموجودات لى علمه السابق عليها مع الأوقات التي يليق وقوعها فيها. قالوا: وهذا هو المقتضي لإفاضة ذلك النظام على ذلك الترتيب والتفصيل إذ لا يجوز أن يكون صدوره عن الواجب وعن العقول المجردة بقصد د ارادة ولا يجب بطبعه ولا على سبيل الاتفاق والجزاف لأنّ العلل الغائية لا لمعل لغرض في الأمور السابقة فقد صرّحوا في إثبات هذه العناية بنفي ما نسميه الإرادة كما لزره في شرح المقاصد فتدبر. قوله: (والحق أنه ترجيح أحد مقدوريه الخ) هذا مذهب

الصفحة 95