كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

في القتال! نوع من الكلام يسمى في البيان بالتفسير وليس المراد به أنه يجري مجرى عطف البيان لخفاء في الأوّل يحتاج إلى إيضاج فإنه يكون استئنافا وجاريا مجرى الاعتراض! تتميما للبيان كما نحن فيه ويكون عطف بيان أيضا ومنه يعلم أن جعله جواب ماذا على معنى إضملالاً كثيراً وهدي كثيرا والعدول إلى الفعل لإرادة التجدد ليس بشيء وفيه تكلف يصان عنه النظم اهـ وهو ردّ على المصنف رحمه الله كما بيناه لك أوّلاً مع ما يعلم منه الجواب عنه أيضاً فتذكر. قوله: (وتسجيل بأن العلم بكونه حقاً الخ (التسجيل والإسجالط كتابة السجل وهو في العرف الكتابي الحكمي فأريد به لازمه وهو الحكم والجزم وقوله وبيان معطوف على قوله هدى ويجوز عطفه على قوله تسجيل والأوّل أولى وأقرب وأصل معنى البيان الكشف والمراد أنه إظهار لما هو مقصود منه كقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى} [سورة آل عمرأن، الآية: 138] وجعله هدى مبالغة لأنه أثره ومنه جاء، وقوله لحسن مورده يقتضي أنه من المثل وقد تبع فيه الزمخشرفي. وقال في الكشف: إشارة إلى أنه غير مرضي ليس المثل بمعناه المصطلح بل أعمّ وكون المورد بمعناه اللغويّ خلاف الظاهر والمراد بالضلال فقد الطريق المستقيم، وقوله فسق وفي نسخة فسوق أي خروج عن تلك الطريق وفيه إشارة إلى دخول ما بعده في البيان. قوله: (وكثرة كل واحد من القبيلين الخ) يعني أنّ الأمرين المتقابلين وإذا وصف أحدهما بالكثرة المتبادر ووصف مقابله بالقلة وتحقيقه أنه إذا كان كذلك فلا خفاء فيه فإذا وصفا معاً بالكثرة لا يخلو أن تكون كثرتهما بالنسبة لشيء آخر أو لكل في نفسه بقطع النظر عن غيره أو نسبة كل منهما للآخر فعلى الأوّل محذور فيه كما أنّ العشرة والعشرين كل منهما يتصف بالكثرة نظراً للخمسة وكذا على الثاني فإنّ المقف ارين الكثيرين كثيران في نفسهما وإن قل أحدهما بالنسبة للآخر وأمّا على الثالث فلا يصح لأن إذا كان كل منهما كثيراً بالنظر لمقابله يلزم اتصاف كل منهما بالقلة والكثرة من جهة واحدة وأنه إذا قيل هذا أكثر من ذا لزم كون ذا قليلاً فإذا قيل: إنه أيضا أكثر منه كان قليلا كثيراً معا وهو باطل إلا أن يكون مختلف الزمان فما ذكره المصنف تبعا للزمخشريّ إن كان دفعاً لهذا فالمراد أنّ كثرته نجالنظر له في نفسه لا بالنظر لمقابله فلا محذور فيه كما صرّح به في قوله بالنظر إلى أنفسهم لا بالقياس إلى مقابلهم، وان كان المراد أنّ المهتدين من كل طائفة وفي كل عصر
اقل من غيرهم لقلة الأخيار وكثرة الأشرار في كل عصر وقطر كما يومئ إليه قوله فإن المهديين فليلون بالإضافة إلى أهل الضلال فمحصل الجواب بعد تسليم أنه كذلك أنّ قلتهم بالنسبة لأضدادهم لا تنافي كثرتهم في نفسهم بقطع النظر عما سواهم فإن أريد دفع المنافاة رأسا ولو بحسب الظاهر تحمل الكثرة على الكثرة المعنوبة بجعل كثرة الخصائص اللطيفة بمنزلة كثرة الذوات الشريفة كما قيل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى مد ألف بواحد
ولكون هذا غير متبادر من الكثرة لا سيما وقد ذكر معها الكثرة الحقيقية فالظاهر أنهما
على نمط واحد ولذا قال بعض الفضلاء: أنه في غاية البعد وإن كان ما علله به من أن النظر الى المعنى يوجب وصف أهل الضلال بالقلة لا وجه له عند من تدبر قول المصنف رحمه الله كثرة الضالين من حيث العدد. قوله: (كما قال سبحانه وتعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} الخ [سورة سبأ، الآية: 13] (قيل إنه لا يدلّ على ما قصده فإنّ الشكور المبالغ في الشكر إلا أنه تبع في هذا الزمخشريّ حيث قال: فإن قلت لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقليل ما هم، الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، وجدت الناس أخبر نقله الخ وقد قيل في جوابه أنّ الشكور هو المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه في كل أوقاته فيكون واصلا إلى المرتبة الرابعة من الهداية كما مرّ في الفاتحة وهم قليل بالإضافة لمن عداهم يعني أنّ المهديين أنواع وهؤلاء نوع منهم وقد وصفوا بالقلة بالنسبة لمن عداهم ومثله يكفي في التمثيل فلا وجه لإنكاره فتأمّل. قوله: (قليل إذا عدّوا الخ) هو من قصيدة طويلة للمتنبي يمدح بها عليّ بن يسار التميمي وأوّلها:
أقل فعالي بله أكثره مجد وذا الجد فيه نلت أولم أنل جد

الصفحة 99