كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

ومن لابتداء الغاية وأصل الكلام تقاة كانت من جهتهم فلما تذم انتصب على الحال فإن كانت تقاة مصدرا فهو مفعول مطلق ويكون تعدى بمن لأنه بمعنى خاف وحذر، وهو يتعدى بمن قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا} {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا} فتعديه بمن للثاني مما لا شبهة فيه، فعلى هذا يكون ترك أحد مفعوليه للعلم له أي ضررا ونحوه، فقول النحرير: هذا يشعر بأنّ حذر وخاف يجيء متعديا بمن خلاف اتقى لإنه ليس إلا متعديا بنفسه مردود.
قوله: (منع عن موالإسم الخ) كونه ظاهرا وباطنا مأخوذ من عموم الاستثناء، وقول موسى عليه الصلاة والسلام معناه المداراة للضرورة لأنه أمر بأن يظهر ما ليس هو عليه وقيل معناه كن وسطا في معاشرتهم ومخالفتهم، وامش جانبا في موافقتهم فيما يأتون ويذرون، وقيل كر بجسدك مع الناس وقلبك في حظيرة القدس، وعقاب الله إذا أسنده إليه وكذا كل شيء أضيف إليه دل على عظمه ولا يؤيه بمعنى لا يبالي. قوله: (يعلم ضمائركم الخ) في قوله إن
تخفوها أو تبدوها إشارة إلى وجه ذكر المبدي مع أن علمه المخفي يستلزم علمه وهو أنه استوى في علمه المخفي والمبدي وأنهما عنده على حد سواء وهي نكته لطيفة، ولو قيل المراد التعميم لصح لكن قوله بعد.: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} الخ يفيده فلا تكون النكتة سرية، وقوله: (فيعلم سرّكم وعلنكم) إشارة إلى أنه بمنزلة الدليل لما قبله إلا أنه يحتاج إلى نكتة للعطف حينئذ فتأمّله، وقوله: فيقدر الخ بيان لربط النظم، وقوله: بيان لقوله سبحانه وتعالى ويحذركم الخ أي بيان لوجه التحذير لا لمعناه. قوله: (بعلا ذاتئ الخ (في الكشف ذات في الأصل مؤنث وقطع عنها مقتضاها من الوصف والإضافة وأجريت مجرى الأسماء المستقلة فقالوا ذات متميزة وذات قديمة أو محدثة، ونسبوا إليها من غير حذف التاء فقالوا: ذاتيئ وحكى الأزهري عن ابن الأعرابيّ ذات الشيء حقيقته وهو منقول عن مؤنث ذو بمعنى صاحب لأنّ المعنى القائم بنفسه بالنسبة إلى ما تقوم به وافراده يستحق الصاحبية والمالكية، ولمكان النقل لم يعتبروا أن التاء للتأنيث عوضا عن اللام المحذوفة وأجروها مجرى تاء هات ولهذا، أبقوها في النسبة ولم يتحاشوا عن إطلاقها على الباري تعالى وان لم يجروا نحو علامة عليه تعالى واطراده في لسان حملة الشريعة دليل على أن الإذن في الإطلاق صادر، وقد يطلقونها على ما يرادف الماهية. قوله: (يوم منصوب بتودّ الخ) في ناصبه وجوه منها أنه قدير، ولا يرد عليه تقييد قدرته بذلك اليوم لأنه إذا قدر في مثله علم قدرته، في غيره بالطريق الأولى، ومنها أنه منصوب بالمصير أو يحذركم أو باذكر مقدرا فيكون مفعولاً به، ومنها ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للزمخشرقي أنه منصوب بتودّ وضمير بينه لليوم، ومعناه واضح لكنه مبنيّ على أمر اختلف فيه النحاة، وهو إذا كان الفاعل ضميرا عائدا على ما اتصل به معمول الفعل المتقدم نحو غلام هند ضربت هي أي هند وقوله:
أجل المرء يستحث ولا يد ري إذا ما ينعي حصول الأماني
ففاعل يستحث ضمير المرء المضاف إليه أجل المنصوب، وما نحن فيه مثله فجوّزه الجمهور ومنعه بعضهم لأنّ عود الضمير يقتضي لزومه ونصبه ويجعله فضلة يصح الاستغناء عنه وفيه نظر، وتجد يجوز أن تكون الناصية لمفعولين ثانيهما محضراً وأن تكون بمعنى تصيب فمحضرا حال، وجوّز في ما الموصولية، وهو الراجح والشرطية والمصدرية، واحضاره إمّا
بإحضار صحفه أو جزائه. قوله: (بينها وبين ذلك اليوم) قيل الظاهر عوده على ما علمت لقربه، ولأنّ اليوم أحضر فيه الخير والشرّ والمتمني بعد الشرّ لا ما فيه مطلقا، ورذ بأنه أبلغ لأنه يودّ البعد بينه وبين اليوم مع ما فيه من الخير لئلا يرى ما فيه من السوء، والمعنى كل ما علصت من خير محضر أو ما علمت من سوء محضرا فيكون من العطف على المفعولين وحذف الثاني اختصارا بقرينة ذكره في الأوّل وهو جائز كم صرح به في الدرّ المصون، وقيل: إنه كقولك علمت زيدا فاضلاً وعمراً فليس من باب الاقتصار على المفعول الأوّل وليس بشيء لأنه مثل زيد قائم وعمرو وهو مما حذف فيه الخبر كما صرحوا به فيلزم الاقتصار ضرورة وأما الفرق بين المبتدأ والمفعول في هذا الباب فوهم، وجوّز أن يكون توذ مفعولاً ثانياً وأن تكون متعدية لواحد فلا حذف، وعلى تقدير اذكر ففي ما علمت وجهان إما مبتدأ خبره جملة توذ أو

الصفحة 16