كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

معطوفة على ما الأولى وتوذ إمّا مستأنف أو حال من ضمير عملت لقربه لا من نفس ولا يرد عليه أنه تخصيص للعمل، والمقام لا يناسبه لأنه ليس القصد التخصيص بل بيان سوء حالهم وحسرتهم ولا بأس فيه. قوله: (ولا تكون ما شرطية لارتفاع توذ الخ! عليه اعتراض مشهور، وهو إنه إذا كان الشرط ماضياً والجزاء مضارعا جاز فيه الجزم والرفع من غير تفرقة بين أن الشرطية وأسماء الشرط وما قيل ولا يمتنع إطباق القراء على أحد الجائزين وان كان مرجوحا، وما يقال المراد الارتفاع على وجه اللزوم ليس بشيء لأنّ اللزوم إنما هو من جهة أنه ورد كذلك ولا مجال لتغيير النظم كما لا مجال لتغيير ما ورد فيه من الشعر وأجيب بأنه شاذ بحيث لم يوجد إلا في قوله:
وان أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
وهو غير مسلم لأنه ورد كثيرا في كلام العرب حتى اذعى بعض المغاربة أنه أحسن ص
الجزم وأنشد له أبو حيان رحمه الله تعالى شواهد كثيرة منها قوله:
أن يسألوا الخيريعطوه وإن خبروا في الجهد أدرك منهم طيب الخبر
والشاهد في الشرط الثاني فإنّ جوابه أدرك وهو مضارع مرفوع لا في الأوّل حتى يقال إنه
سهو لأنه مضارع مجزوم بحذف النون فيهما كما توهم، وفي المغني أن الزمخشري امتنع من تخريجه على رفع الجواب مع مضي الشرط وقد صرح في المفصل بجواز الوجهين في نحو إن قام زيد أقوم لكنه لما رأى الرفع مرجوحا لم يستسهل تخريج القراءة المتفق عليها عليه يوضح لك هذا أنه جوّز ذلك في قراءة شاذة مع كون فعل الشرط مضارعا لتأوّله بالماضي، أعني قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} [سررة النساء، الآية: 78] برفع يدرك لأنه في معنى أينما كنتم وقد ظنه كثير تناقضاً منه والصواب ما بينا لك وفيه نظر يعلم مما سلف. فوله: (وقرئ وذت
حأشية الشهأب / ج 3 / م 3
الخ) وعليها ارتفع مانع الارتفاع لكن الحمل على الموصولية أولى لكونها أوفق بقراءة العامّة، وأجرى على سنن الاستقامة لأنه كلام لحكاية الحال الكائنة في ذلك اليوم فيجب أن يحمل على ما يفيده الوقوع ولا كذلك الشرطية على أنها تفيد الاستقبال، ولا عمل سوء في استقبال ذلك اليوم وهذا لا ينفي الصحة لأنها وان لم تدل على الوقوع لا تنافيه وحديث الاستقبال يدفعه تقدير، وما كانت عملت كما في نظائر له كذا قال النحرير: وقال إنّ في صحته كلاما لأن الجملة على تقدير الموصولية حال أو عطف على تجد والشرطية لا تقع حالاً ولا مضافا إليها الظرف فلم يبق إلا عطفها على (اذكر) وهو بتقدير صحته مخل بالمعنى وهو كون هذه الحالة والودادة في ذلك اليوم، ولا محيص سوى جعلها حالاً بتقدير مبتدأ أي وهي ما عملت من سوء تود، وفي قوله الحمل على الابتداء والخبر إشعار بأنها لو جعلت شرطية لم تكن في موقع المبتدأ بل المفعول كما في قولك ما تصنع أصنع لأنّ عملت لم تشتغل بضميره بل بقي مسلطا عليه كما يعلم من معرفة أحوال أسماء الشرط والاستفهام وصدارتها قلت: ولا يخلو هذا الكلام من تكلف واهمال وما ذكروه من دعاوى أكثرها بلا برهان فإنهم أعربوا أن الوصلية مع جملتها على الحالية، ولم ينص النحاة على منع الإضافة إليها نعم لا مجال للشرطية هنا بحسب الصناعة والمعنى لأنه لا مفعول لتجد حينئذ إذ لا يصح عمله في اسم الشرط ولا فيما بعده لصدارته والمعنى على تعلقه بما بعده ولا وجه له غير العمل فيه ففيه تفكيك للنظم المرتبط، وحل لما عقد من غير داع وحديث الاستقبال لا يرد رأسا إذا لم يتعلق به حتى يحتاج إلى التأويل فتأمل. قوله: (كرر للتوكيد والتذكير) هذا بحسب الظاهر، وقال النحرير: الأحسن أنه ذكر أوّلاً للمنع عن موالاة الكافرين، وثانيا: للحث على عمل الخير والمنع عن عملى السوء، وقوله: إشارة الخ يعني أنّ رأفته أمّا بنفس تحذيره لمنعه لهم به وهو نوع من اللطف فيكون تتميما لما قبله أو بغيره فيكون مريدا لهم الخير مع وعيده فكيف مع وعده ورضاه كما في قوله تعالى إن الله لذو مغفرة وذو عقاب فهو تكميل كما في الكشاف وشروحه. قوله: (المحبة ميل النفس الخ) ذهب عامة المتكلمين إلى أنّ المحبة نوع من الإرادة وهي لا تتعلق حقيقة إلا بالمعاني والمنافع فيستحيل تعلقها بذاته تعالى وصفاته قإذا قيل إن العبد يحب الله فمعناه يحب
طاعته

الصفحة 17