كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

وخدمته أو ثوابه واحسانه وأمّا محبة الله العباد فعبارة عن إرادة إيصال الخيرات والمنافع في الدين والدنيا إليهم، وهما مجاز من باب إطلاق الملزوم على اللازم أو استعارة تبعية شبه إرادة العباد اختصاصه تعالى بالعبادة، ورغبتهم فيها بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلا لا يلتفت إلا إليه وقد اغتز بهذا صاحب الكشاف حتى طعن على من اذعى محبة ذات الله بما لا يليق صدوره عن عاقل، وأمّا العارفون فقالوا: إنّ العبد يحب الله لذاته وأمّا محبة ثوابه فدرجة نازلة قال الغزالي رحمه الله تعالى: المحبة عبارة عن ميل النفس إلى الشيء المستلذ فإذا قوي ذلك سمي عشقا، والبغض نفرة الطبع عن المؤلم فإن زاد سمي مقتا ولا يظن أن الحب مقصور على المحسوس وهو سبحانه لا يدرك بالحواس ولا يتمثل في الخيال فلا يحب لأنه عليه الصلاة والسلام سمى الصلاة قرّة عين وجعلها أبلغ المحبوبات وليس للحواس فيها حظ بل جس البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر، القلب أشد إدراكا من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار فيكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي يجل عن أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما فيه إدراك لذة فلا ينكر حب الله إلا من قيده القصور في مربط البهائم، نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الورّاق رحمه الله: تعصي الإله وأنت تظهرحبه هذالعمري في القياسم! بديع
لوكان حبك صادقالأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وهذا معنى قول المصنف بحيث يحملها الخ فإنه يشير إلى أن ما ذكره المتكلمون نظرا
إلى الظاهر، والتفاسير المذكورة في كلامهم كالإرادة تفسير باللازم، وقوله من الله أي حدوثه منه وبالله أي بقاؤه به وإلى الله أي مآله ومرجعه إليه، والحب لله أي لأجله أو المختص به وفي الله أي مرضاته وهما متقاربان وهو إشارة إلى مرتبة الحب الصرف الذي لم يمتزج مشربه في زجاجة كأنها كوكب درّي، وهي التي بها العقول سكارى وما هي بسكارى:
على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منهانصيب ولاسهم
والقطرة تغني عن الغدير. قوله:) جواب للأمر الخ) والكلام في إن جازمه الأمر أو
الشرط المقدر معروف في النحو فالمراد بالمحبة الرضا لأنه يلزمها فهو استعارة لغوية أو مشابه لها لأن من رضي بشيء كأنه استلذه، والمشاكلة ظاهرة والتجاوز عما فرط معنى المغفرة فقوله: عبر عن ذلك أي الرضا لا جميع ما تقدم فتسمح اتكالاً على ظهور المراد أو لأن الرضا مستلزم له فكأنه غير مغاير له ومعنى يبوّئه ينزله وقوله: لمن تحبب إليه هو مقتضى السياق، وقوله: على عهده أي في حياته، وعلى احتمال المضارعية في تولوا أصله تتولوا على الخطاب، وحيسئذ يحتمل أن يكون داخلاً تحت القول قوله: (يرض عنهم ولا يثني عليهم الخ (لما كان رضا الله دعاء وثناء متضمنا لأنواع اللطف والجميل أجمل به ما مضى في قوله ويكشف الحجب الخ فلا يقال الأحسن أن يقال فلا يكشف الحجب عن قلوبهم بالتجاوز عما فرط منهم ولا يقربهم من جنات عزه وجوار قدسه. قوله: (وإنما لم يقل الخ) دلالته على العموم لأن الكافرين يشمل من تولي ويفهم منه أن التولي كفر لاندراجه فيه وان نفي المحبة عنهم لذلك لتعليقه بالوصف المشعر بالعلية ونفي المحبة عنهم يقتضي الحصر في ضدهم، وقيل عليه إن جعل إن الله لا يحب الكافرين جزاء لا يصح تصد العموم لأن تولي طائفة خاصة لا يصير سبباً لعدم محبة جميع الكافرين، بل سبب عدم محبة كل أحد توليه وإن جعل دالاً عليه وقائما مقامه فتقدير الكلام إن تولوا فإن الله لا يحبهم لأنه لا يحب الكافرين فليس من وضع الظاهر موضع المضمر حتى يحتاج إلى نكتة وهذه مغالطة، لأن المراد بالكافرين من تولى فتسببه ووضعه موضع الضمير ظاهر، والعموم إنما هو بحسب التعبير المذكور بقطع النظر عن المراد لأنه إذا لم يحبهم لكفرهم دل على أنه لا يحب كل من هو كذلك. قوله: (بالرسالة والخصائص الخ (ذكر آل عمران بعد آل إبراهيم

الصفحة 18