كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

مرّضه بقوله: روي وهو مدفوع بان المراد كنت نذرت أو نذرت ما سيكون في بطني. قوله: (محرّرا معتقاً الخ) التحرير من الحرّية وهي ضربان أن لا يجري عليه حكم السبي، وأن لا تتملكه الأخلاق الرديئة والرذإئل الدنيوية والى هذين المعنيين أشار المصنف، وهما! سيران مرولان عن السلف، وقد أشار إلى
هذا الراغب رحمه الله، فما قيل إن الأوّل من التحرير بمعنى الإعتاق، والثاني من تحرير الكتاب لتقويمه لأنّ جعله مخلصاً للعبادة تقويم له تكلف لا حاجة إليه، والحالية إمّا من ما أو من الضمير في الطرف وهي حال مقدرة على الثاني قيل ويحتمل المصدرية. قوله: (الضمير لما في بطنها وتأنيثه الخ) في الكشاف لأنّ ما في بطنها كان أنثى في علم الله قال: الشارح المحقق يعني لما علم المتكلم أنّ مدلول ما مؤنث جاز له تأنيث الضمير العائد إليه وان كان اللفظ مذكراً هذا في قوله فلما وضعتها، وأمّا في قوله: حكاية رب إني وضعتها أنثى فقد يوجبه بأنّ تأنيث الضمير ههنا ليس باعتبار العلم بل باعتبار أن كل ضمير وقع بين مذكر ومؤنث هما عبارتان عن مدلول واحد جاز فيه التذكير والتأنيث نحو الكلام يسمى جملة وأنثى حال بمنزلة الخبر فأنث الضمير العائد إلى ما نظر إلى الحال من غير أن يعتبر فيه معنى الأنوثة ليلزم اللغو، وفيه نظر لأنها حال مؤكدة كم قال المعربون: وأيضاً فإنه إذا كان المقصود التحسر لا يتوجه ما ذكر أصلا فكأنه قيل وضعت ما في البطن أنثى كما أنّ فإن كانتا اثنتين لا لغو فيه لأنّ ضمير كانتا لمن يرث وإنما ثنى نظرا إلى الخبر ومن لم يفرق بين الموضعين زعم أن تأنيث الضمير بناء على العلم بكونه أنثى فلا يتوجه حينئذ أنه باعتبار الحال. وقوله: (أو على ثأويل مؤنث الخ) يعني يؤوّل بمؤنث لفظي يصلح للمذكر والمؤنث كالحبلة بفتحتين وهي النتاح فلا يشكل تأنيثه ولا يلغو ذكر أنثى. قوله: (وإنما قالته تحسر الخ (جواب سؤال تقديره إنّ الإخبار إمّا للفائدة أو لازمها وعلم الله محيط بهما فأيّ فائدة في هذا الإخبار فقيل إنما يلزم ما ذكر إذا كان الإخبار للمخاطب وهذا إخبار للمتكلم يعرض حاله ويحسره عليه تعالى فإن قلت كما أنه يلغو الخبر لاستغناء المخاطب عن الإفادة يلغو الكلام مع قصد التحسر لعلم المخاطب بكونه متحسراً قلت أجيب بأنّ الكلام لإنشاء التحسر وبالتلفظ به يصير المتكلم متحسراً وليس لإفادة التحسر، وفرق بين إحداث الشيء وإفادته، ويحتمل أنه لتحقير محررة استجلاباً للقبول لأنه من تواضع لله رفعه.
وقد قال الإمام المرزوقي: إنه قد يرد الخبر صورة لأغراض سوى إخبار كما في قوله:
قومي هم قتلوا أميم أخي
فإن هذا الكلام تحزن، وتفجع وليس بإخبار فقوله: ليس! بإخبار هو الدافع للسؤال فلا
حاجة إلمى شيء آخر لأنه ما لم يلتزم هذا يرد أن دلالته على التحسر لا بد أن تكون كناية أو مجازا، والكلام الخبريّ سواء كان حقيقة، أولاً لا بد فيه من أحد الأمرين الفائدة أو لازمها وهما مفقودان هنا فيعود السؤال فتأمّل، وقوله: وهو استئناف أي مقطوع عما قبله فليس معطوفاً فلا ينافي كونه اعتراضا كما سيأتي، وقوله: تعظيماً لموضوعها أي المولود الذي وضعته، يعني ليس المراد الردّ عليها في إخبمار الله بما هو أعلم به كما يتراءى من السياق، وما موصولة والعائد محذوف تقديره ما وضعته، وأمّا كون ما وضعت عبارة عن أم مريم أي هو أعلم بحالها من التحزن والتحسر فلا وجه له وجزالة النظم تأباه، وقوله: على أنه من كلامها فليس للتجهيل بل لنفي العلم لأنّ العبد ينظر إلى ظاهر الحال، ولا يقف على ما في خلافه من الإسرار. قوله: (بيان لقوله والله أعلم الخ) وذلك أنّ توله تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} الخ وارد لتفخيم المولود وتفضيله على الذكر بمعنى أنه قد تعورف بين الناس فضل الذكر على الأنثى، وألله هو الذي اختص بعلمه لفضل هذه الأنثى على الذكر فكان قوله: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} بياناً لما اشتمل عليه الأوّل من التعظيم، وليس بيانا لمنطوقه حتى يلحق بعطف البيان الممتنع فيه العطف، واللام فيهما للعهد أمّا التي في الأنثى فلسبق ذكرها صريحا في قولها إني وضعتها أنثى والتي في الذكر فلقولها إني نذت الخ إذ هو الذي طلبته، والنحرير لا يكون إلا للذكر. قوله: (ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والآنثى سيان) وفي ليس ضمير الشان، ولذا رفع سيان وفي نسخة سيين وهو ظاهر وكون اللام على

الصفحة 20