كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

تخييل ليس بشيء أما تردده في الحديث فظاهر البطلان لما ذكرنا وأما تأويله بما ذكر فقد اتفق أهل الأثر على خلافه وان تابعه المصنف، وما ذكره من امتلاء الدنيا صراخا وهم فاسد لكن أشار إلى أنّ الحديث ليى على عمومه وأنّ أوّل بدليل الآية التي تلاها ولا ينافيه الحصر لأنه قد يكون باعتبار الأغلب أو يقدر له ما يخصصه فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم منه أبضا حتى لا يلزم تفضيل عيسى صلى الله عليه وسلم في هذا ال! عنى، ويؤيده خروج المتكلم من عموم كلامه كما روى الجلال في البهجة السنية عن عكرمة قال لما ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نوراً فقال إبليس: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقالت له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته فلما دنا منه ركضه جبريل عليه الصلاة والسلام، فوقع بعدن فما قيل لا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا وجه له.
وقال السهيلي رحمه الله: شق صدره في حال طفوليته وشق الملكين قلبه، واخراج علقة سوداء، وتولهما إنه مغمز الشيطان الحديث لا يدل على فضل عيسى عليه الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه خلق مكملا في القوى البشرية ثم نزع منه ذلك وملئ حكمة وإيماناً بعد غسله بالثلج والبرد وللإمام السبكي فيه كلام نفيس تعرض له ابنه في طبقاته، وقوه: حين يولد أي حين تمت ولادته وقوله يولد للاستمرار مع قطع النظر عن المضيّ والاستقبال وقيل: إنه بمعنى ولد ليصح استثناء مريم وابنها فعبر عن الماضي بالمضارع لحكاية الحال فتأمل، ومعنى قوله: تخييل أنه استعارة تمثيلية شبه حال الشيطان في قصد الإغواء بحال من يمس الشيء باليد ويعينه لما يريد به كما سيأتي في نحو قوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [سورة الزمر، الآية: - 67] . قوله: (فرضي بها الخ (فسر القبول للنذر بالرضا إشارة إلى تشبيه النذر بالهدية، ورضوان الله
بالقبول، وقوله: أي بوجه حسن إشارة لتوجيه دخول الباء فإنه يرد عليه أنه مصدر ويجب نصبه بان يقال تقبلها قبولاً ولذا جعل بعضهم الباء زائدة فبين أن فعولاً يكون للآلة التي يفعل بها الفعل كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد فليس مصدرا هنا حتى يدعي زيادة الباء، والنذائر جمع نذيرة بمعنى منذورة، والتاء كتاء النطيحة، وهو ضمير عائد لوجه، وقوله: أو تسلمها مصدر معطوف على إقامتها وتفسير آخر للوجه، والسدانة مصدر بمعنى الخدمة، وقوله: روي الخ بيان للتسلم المذكور، وقوله: وصاحب قربانهم هو من تسلم له ليصفها وتنزل النار فتأكلها كما كان ذلك لهم ولذلك ورد في وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم قربانهم دماؤهم أي الذبح لا أكل النار، وقوله: عندي خالتها مر ما فيه، وطفا بمعنى علا على الماء، وضده رسب. قوله: (ويجوز أن يكون مصدرا الخ) أي هو مصدر على تقدير مضاف أي رضي بها ملتبسة بأمر ذي قبول ووجه ذي رضا وهو ما يقيمها مقام الذكور لما اختصت به من الإكرام، وهو جواب آخر، ثم جوز أن يكون تفعل بمعنى استفعل كتعجل بمعنى استعجل أي واستقبلها وتلقاها وهذا جواب آخر، قال ابن المنير في تفسيره: فيكون القبول عبارة عن أوله واستقباله وتقبلها بمعنى استقبلها بأوّل وهلة من ولادتها وأظهر الكرامة فيها حينئذ، وفي المثل خل الأمر بقوابله أي بأوائله انتهى، وقوله: ويجوز أن يكون مصدراً جواب ثالث. قوله: (مجارّ عن تربيتها الخ (أي هو استعارة أو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم فإنّ الزارع لا يزال يتعهد زرعه بسقيه وحمايته عن الآفات وقلع ما يخنقه من النباتات، وقوله: على أنّ الفاعل هو الله أي الضمير العائد على اسم الله وهو الرب، وليس مراده على لفظ الجلالة المفهوم من الكلام حتى يقال إنه لا حاجة إليه مع أنه خلاف الظاهر وزكريا فيه لغات المد والقصر وزكرى بترك الألف ومنعه من الصرف
للعلمية والعجمة وقيل لألف التأنيث. قوله: (المحراب أي الغرفة (لم يعطف على ما قبله لأنه بيان لقبولها، وذكر للمحراب معاني المشهور منها الأخير، ولذا اقتصر عليه أخيراً في قوله: كأنها الخ، قال: في الدر المصون هذه معان للمحراب من حيث هو وأمّا في الآية فلا خلاف في أنه المحراب المتعارف وأصله مفعال صيغة مبالغة كمطعان فسمي به المكان لكثرته فيه، وقيل: إنه يكون اسم مكان واليه يميل كلام المصنف رحمه الله وكونه من المحاربة لمحاربة الشيطان فيه أو لتنافس الناس عليه ولبعض المغاربة في المدج:

الصفحة 22