كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

ليرد أن مثل هذا القول قد يصدر عن بعض العوامّ، بل المراد أنه بعدما ثبتت نبوّته بالمعجزة كان ذلك القول الصادر عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام علامة لنبوته تطمئن به النفوس، وقيل حصول المعرفة والتوحيد. والاهتداء للطريق المستقيم في الاعتقادات والعبادات عمن نشأ في قوم بدلوا وحزفوا من خوارق العادة.
قوله: ( {قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ} على أن الخ) قيل مذا ظاهر على القراءة بفتح إنّ فكان ينبغي ذكرها
كما في الكشاف وان كانت شاذة وليس بوارد لأنه على الكسر قبلها قول محذوف بدلأ من آية أي قولي إنّ الله، وبه صرّج المصنف رحمه الله فقال: وهي قولي فالاعتراض غفلة عما أراده وعلى الفتح فهي بدل من آية. قوله: (والظاهر أنه ثكرير لقوله الخ) أي أنه معطوف على جئتكم الأول وكرر ليعلق به معنى زائد وهو قوله: إن الله ربي الخ أو للاستيعاب كقوله: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 4] ويؤيده قوله جئتكم باية بعد أخرى فيقدر ما يناسب الايات السابقة من كونه مولودا بغير أب وتكلم في المهد، واليه الإشارة بقوله: (مما ذكرت لكم) والحكم هو قوله: (فاتقوا الخ) وقوله: لما جئتكم بكسر اللام وتخفيف الميم ويجوز الفتح والتشديد، والتوحيد من الحصر المستفاد من تعريف الطرفين، والجمع بين الأمرين لأن
الصراط المستقيم الاعتقاد الحق والعمل الصالح كما مرّ. قوله: (قل آمنت بالله الخ) هو من حديث أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما عن سفيان الثقفي أنّ رجلا قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال: " مقل آمنت بالله ثم استقم " والتنظير به لأنه قدم الإيمان، كما قدم قوله: {إِنَّ اللهَ رَبِّي} هنا ثم عقبه بما يشمل الاعتقاد والعمل. قوله:) تحقق كفرهم عنده الخ) يعني أنّ الإحساس استعير استعاوة تبعية للعلم بلا شبهة إذ الكفر لا يحس، وأما تأويله بأحس آثار الكفر فليس بذاك. قوله: (ملتجئاً إلى الله الخ) لما كان النصر لا يتعدى بإلى جعله حالاً من الياء، والمعنى من ينصرني حال كوني ذاهبا إلى الله أو ملتجئاً إلى الله فالمقصود طلب النصرة لرسوله صلى الله عليه وسلم في دينه فلذا فسر نحن أنصار الله بأنصار ديته وقوله: أو ضامّا إليه أي ضامّا نفي إليه أو هي متعلقة به بتضمين الإضافة، وكونها بمعنى مع أو في أو اللام مذكور في بعض كتب النحو لكن قيل عليه إنّ المصرح به فيها لام الاختصاص نحو الأمر إليك لا التعليل وفي تفسير الفراء أن إلى إنما تكون بمعنى مع إذا ضم شيء إلى آخر نحو الذود إلى الذود ابل أي إذا ضممته إليه صار ابلا ألا تراك تقول قدم ومعه مال، ولا تقول: وإليه وكذا نظائره وهو كلام من ذاق طعم البلاغة، ولذا ضعفه المصنف.
وفي الكشاف في سورة الصف إن إضافة أنصاري للملابسة أي من حربي ومشاركي في توجهي لنصرة الله تعالى ليطابق جوابهم نحن أنصار الله، ولا يصح أن يكون معناه من ينصرني مع الله لعدم المطابقة، وتابعه المصنف رحمه الله هناك وقد صرح هنا بخلافه وعدم المطابقة غير مسلم إذ نصرة الله ليست على ظاهرها فلا بد من تأويل أو إضمار لما تظهر به المطابقة، وهو ظاهر لمن تدبر. قوله: (حواريّ الرجل الخ) قال الكرماني: في قوله صلى الله عليه وسلم: " الزبير حواريي " الحواريي الناصر وهو لفظ مفرد منصرف.
وقال الزجاج: حواريّ منصرف لأنه منسوب إلى حوار وليس كبخاتيّ وكراسي لأن واحدها بختيّ وكرسيّ، وقد وقع مصروفا في غير موضع ومثله الحواليّ، وهو الكثير الحيلة فمن قال: معنى قول المصنف خالصته، أي جماعته الخالصة الاختصاص به نسب إلى الحور وهو البياض فأطلق الحوريّ على الخالص، وجمع على حواريّ ككرسي وكراسيّ، وجعله التفتازانيّ مفرداً وألفه من تغييرات الشب، وكأنه دعاء إليه إطلاقه على الواحد، ويصح أن يكون منقولاً من الجمع إلى الجنس بتنزيل الواحد الكامل في الخلوص منزلة جماعة فقد خبط خبط عشواء إلا أن ما ذكره النحريمر فيه نظر لأنّ الألف إذا زيدت في النسبة وغيرت بها تخفف الياء في الأفصح في أمثاله والحواريّ بخلافه، والحور البياض! مطلقا ومنه الحور العين، وأئا إذا وصفت به العين فمعنى آخر.، والحضريات نساء لمحضر يعني المدن والقرى ويغلب فيهن البياض لعدم البروز للشمس والريح، وقوله: يلبسون البيض أي الثياب البيض وكون الحوارقي القصار صرح به أهل اللغة، وهو بلغة النبط هواري، وقيل: معناه المجاهد وقيل إنه من حار بمعنى رجع لرجوعهم إلى

الصفحة 28