كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

الله. قوله: (آمنا بالته وأشهد الخ (في عطف أشهد على آمنا مع أن بينهما اختلافا ما يقتضي جوازه فيما له محل من الإعراب ولا يلزم ذلك هنا لأنه قيل آمنا لإنشاء الإيمان أيضاً، وقيل: الكتابة كناية عن تثبيتهم على الإيمان في الخاتمة، والظاهر أن المراد اجعل ذلك وقدّره لنا في صحائف الأزل أو أدخلنا في عداد أتباعهم، وهذا على تفسيري الشاهدين وعلى الأخير فتعريفه للعهد وطلبهم أن يكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المعروفين بالشهادة على الناس فلا يرد تضعيفه بأنه لا قرينة على ذلك التخصيص على أنه كما نقلوه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وغيلة بكسر الغين المعجمة أن يتبع المرء مستترا حتى يقتله فجاة وهو لا يدري. قوله: (ومكر الله حين رفع الخ) أي المراد بمكر الله ما ذكر، وذكر أن المكر لا يطلق على الله إلا بطريق المشاكلة لأنه منزه عن معناه غير محتاج إلى حيلة، وهو المراد بالمقابلة والازدواح فلا يقالط: مكر الله ابتداء وكذا قاله العضد في شرح أصول ابن الحاجب وأورد السيف الأبهري عليه قوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ} [سورة الأعراف، الآية: 99] فإنه أطلق عليه ابتداء من غير مشاكلة ونقل عن الإمام أنّ المكر إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى فيه وأنه يجوز صدوره عنه تعالى حقيقة وقد ذهب إليه طائفة وقالوا: إنه عبارة
عن التدبير المحكم فليس بممتنع عليه.
(قلت) : يؤيده قوله والله خير الماكرين فإنه يبعد المشاكلة وأمّا جوابه عن الآية المذكورة
بأنها من المشاكلة التقديرية كما في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 138] فلا يخفى ما فيه. قوله: (أتواهم مكراً الخ (قيل عليه إنه لا يستفاد من النظم والمفيد له أشذ الماكرين أو أقواهم، فينبغي أن يفسر بأنّ مكره أحسن وأوقع في محله لبعده عن الظلم، ولا يخفى أن الخيرية في معنى تقتضي زيادته، وهو المكر هنا فالخيرية فيه ما ذكر وتفسير المصنف أنسب بالمراد وهو التهديد. قوله: (ظرف لمكر الخ (قدمه لأنه أولى إذ لا يظهر وجه تقييد قوة مكر. تعالى بهذا الوقت، ولو قدر إذ كر كما في أمثاله لم يبعد. قوله: (أي مستوفي أجلك ومؤخرك الخ الما كان ظاهره مخالفاً للمشهور المصرح به في الآية الأخرى أوّله بوجوه الأوّل أنه كناية عن عصمته عن الإعداء وما هم فيه من الفتك به لأنه يلزم من استيفاء أجله وموته حتف لنفسه ذلك أو قابضك من الأرض من توفي المال بمعنى استوفاه وقبضه وقوله: مالي يحتمل ما أن تكون موصولة ولي صلته، ويحتمل أن تكون كلمة واحدة أو المراد بالوفاة هنا النوم لأنهما أخوان، ويطلق كل منهما على الآخر لأنه رفع كذلك رفقاً به، وأمّا أنه أريد بالموت والوفاة موت القوى الشهوانية العائقة عن إيصاله بالملكوت فبعيد لأنّ اسم الفاعل لا يناسبه، وقوله: إلى محل الخ إشارة إلى أنّ إليّ على تقدير مضاف أي إلى سمائي، وتطهيره من الكفرة إمّا تبعيده عنهم بالرفع أو أنحاؤه عن قصدهم بجعلهم أو بجعل معلمهم كأنه نجاسة وبما قرّرناه سقط ما قيل: إنه تبع فيه الزمخشري في أن المقتول لم يصت بأجله كما هو مذهب المعتزلة. قوله: (يعلونهم بالحجة أو السيف الخ) يريد أنّ الفوقية رتبية لا مكانية، وقوله: ومتبعوه من أقز بنبوّته من المسلمين والنصارى فمان أريد بالنصارى من آمن به قبل مجيء نبينا صلى الله عليه وسلم ونسخ شريعته فهو ظاهر، وان أريد المطلق فلا ضير في غلبتهم على غيرهم من الكفرة مع غلبة المسلمين عليهم، وقوله: وإلى الآن الخ ظاهر في الثاني. قوله: (الضمير لعيسى الخ)
ويحتمل أنه لمن تبع وكفر فقط، فهو التفات من الغيبة إلى الخطاب للدلالة على شدة إرادة إيصال الثواب والعقاب لدلالة الخطاب على الاعتناء. قوله: (تفسير للحكم وتفصيل له) قال الخرير: اعترض بأن الحكم مرتب على الرجوع إلى الله بالمعاد، وهو في القيامة فكيف يصح تفسيره بالعذاب في الدنيا، وأجيب أوّلاً بأنّ المقصود التأبيد، وعدم الانقطاع من غير نظر إلى خصوصهما كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [سورة هود، الآية: 107] وثانيا أن المراد بهما المعنى اللغوي أي أوّلاً وآخرا وهو بعيد جدا وثالثا أن المرجع أعم من الدنيوي والأخروي وكونه بعد جعل الفوقية الثابتة إلى يوم القيامة لا يوجب كونه بعد ابتداء يوم القيامة، وعلى هذا فتوفية الأجور أيضاً تتناول نعيم الدارين، وقوله: فيما كنتم فيه نبوة عنه، أو المعنى أحكم بينكم في الآخرة فيما كنتم تختلفون فيه في الدنيا، ورابعاً بأن عذاب الدنيا

الصفحة 29