كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

مجاز لا غير لأن إرادة المعنى الحقيقي أو جواز إرادته شرط للكناية، وههنا العلم بامتناع النظر قرينة مانعة عن إرادته، وفي كلامه إشارة إلى أنه عند الكناية قد يتحقق المعنى الحقيقي ويراد لا قصداً إليه وقد لا يتحقق أصلا، وان جاز وما ذكره هنا يشكل بما ذكره في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الرحمن على العرش استوى ونحو ذلك أنها كلها كنايات مع امتناع المعنى الحقيقيّ قطعاً فإن أجيب بأنّ إرادة المعنى الحقيقي لا تستلزم تحققه وهو ظاهر ولا يلزم منه الكذب لأنّ إرادته لا تكون على وجه القصد إليه إثباتاً ونفيا وصدقاً وكذبا بل لينتقل منه إلى المقصود، قلنا: وكذلك النظر في حق من يجوز عليه النظر يراد، ولا يتحقق فيكون كناية.
وأمّا ما يقال: من أنه إذا أريد المعنى الحقيقي لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز بمعنى
إرادة المعنى الحقيقي والمجازيّ، وهو ممتنع فمدفوع بأنّ ذلك إنما هو حيث يكون كل منهما مناط الحكم ومرجع الصدق والكذب 0
وأمّا إذا أريد الأوّل لينتقل إلى الثاني فلا وصرّح في المفتاح بأنه في الكناية يراد معناها ومعنى معناها جميعاً، وفي الحقيقة معناها فقط وفي المجاز معنى معناها يعني الحقيقة الصريحة إلا فقد صرّح هو بأنّ الكناية حقيقة حيث قال: الحقيقة والكناية يشتركان في كونهما حقيقتين، ويفترقان في الصريح وعدمه، وبهذا يظهر أنّ الكناية ليست واسطة بين الحقيقة والمجاز بل نسما من الحقيقة وحيث يجعل واسطة يراد بالحقيقة الصريح منها، وأمّا عند الأصوليين فكل من الحقيقة والمجاز إن استتر المراد به فكناية والا فصريح وليست الكناية واسطة ولا داخلة في المجاز بناء على الاستعمال في غير الموضوع له على ما توهم.
(أقول) ما ذكره من التناقض سبقه إليه غيره من الشراح، وأشار المحقق في الكشف إلى
أنه لا تناقض فيه حيث قال: بعد سوق كلامه إنه تصريح بأنّ الكناية يعتبر فيها صلوح إرادة الحقيقة وان لم ترد وأن الكنايات قد تشتهر حتى لا تبقى تلك الجهة ملحوظة وحينئذ يلحقن بالمجاز، ولا تجعل مجازاً إلا بعد الشهرة لأنّ جهة الانتقال إلى المعنى المجازي أوّلاً غير واضحة بخلاف المعنى المكنى عنه، وقد سبق أن هذا الكلام منه يرفع ما توهم من المخالفة بين قوليه في جعل بسط اليد كناية عن الجود تارة، ومجازاً أخرى فتذكر يعني أنه إن تطع النظر عن المانع الخارجي كان كناية ثم ألحق بالمجاز فيطلق عليه أنه كناية باعتبار أصله قبل الإلحاق ومجاز بعده فلا تناقض بينهما كما توهموه، والعجب من الشارح في متابعة المعترض مع علمه بدفعه فتأمّل فقول المصنف إنه كناية عن غضبه عليهم لقوله الخ إن حمل على أنه فيهما كناية لا يخالف ما في الكشاف. قوله: (قيل إنها نزلت الخ) فالمراد بعهد الله ما عهده إليهم في التوراة من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره، والثمن الرشوة وهذا أخرجه البخاري في صحيحه وغيره من حديث عبد الله بن أبي أوفى أنّ رجلاً أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت هذه الآية وقوله: (في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهوديّ في بئر أو أرض وتوجه الحلف على اليهوديّ) أخرجه الستة عن ابن مسعود رضي الله عنه وتعدد سبب النزول لا مانع منه كما مرّ. قوله: (يعني المحرّفين الخ) تفسير فريقاً لا.
الضمير وحنى بالتصغير وأخطب بالخاء المعجمة أفعل من الخطب، وقوله: يقتلونها الفتل بالفاء والتاء الفوقية بمعنى الليّ، والصرف أي يفتلون الألسنة في القراءة بالتحريف في الحركات ونحوها تغييرا يتغير به المعنى ليحسب المسلمون أن المحرّف هو التوراة فيلتبس عليهم الأمر أو المراد يميلون ألسنتهم بشبه الكتاب أي مشابهه ولا فرق بين الوجهين في المعنى إذ ليس في الوجه الأوّل إلا إظهار المحرف وهو شبه الكتاب لكن المضاف المقدّر في الوجه الأوّل هو القراءة والباء للظرفية أو الاستعانة أو للملابسة والجار والمجرور حال من الألسنة أي ملتبسة بالكتاب، وضمير تحسبوه لما دل على الليّ من المحرّف، وفي الثاني شبه وضمير تحسبوه للشبه المقدر والباء صلة، وقيل للآلة وقوله: (وقرئ بلون الخ (هي قراءة مجاهد رحمه الله بفتح الياء وضم اللام، وبعدها واو مفردة ساكنة بقلب الواو المضمومة همزة كما في وجوه وأجوه، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فحذفت لالتقاء الساكنين وقيل عليه لو نقلت ضمة الواو لما قبلها فحذفت لالتقاء الساكنين كفى في التوجيه فأقي حاجة إلى قلب الواو

الصفحة 38