كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

للجنس فيكون التركيب كناية عن كون فاعله باراً، ولذا فسره الزمخشرفي بلن تكونوا أبرارا فنيله البر يدل على البلوغ إليه والبلوغ إليه يدل على كونه باراً كقول الخنساء:
وما بلغت كف امرئ متناولاً من المجد إلا والذي نال أطول
أي أنه ماجد فاق كل ماجد أو تعريفه للعهد والمراد بر الله لهم كالرحمة ونحوها، وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:) أي من المال الخ) قدّمه لأنه الظاهر من الإنفاق وعلى الثاني يتجوّز فيه، وقوله:) روي الخ) رواه الشيخان والنسائيّ وبيرحا روى بكسر الباء وفتحها وفتح الراء وضمها والمد والقصر، وهو اسم بستان وحديمته بالمدينة المنوّرة وكانوا
يسمون الحدائق آباراً، وفي الفائق إنها فيعلى من البراج وهو الأرض الظاهرة، وقيل أضيفت إلى حا وهو قبيلة من مذحج أو اسم رجل، واعلم أنّ لبعض علماء اليمن في هذه اللفظة رسالة مستقلة حاصلها أنهما اسمان جعلا اسما واحداً مبنيا مفتوج الراء فيه همزة بعد حاء وهو اسم مكان، وروي بكسر الباء وفتحها، وقال المنذري: إنه اسم موضع بقرب المسجد، وقيل حا اسم ينسب إليه البير وروي مثلث الراء معربا، والأقرب أنه كحضرموت فيضات ويعرب بالوجوه الثلاثة أو يبنى ويجوز صرفه وعدمه ومده وهمزه، وحا اسم حيّ أو رجل، وقيل اسم صوت تزجر به الإبل إلى آخر ما فصله وقوله: بخ بخ كلمة استحسان ومدح وكررت للتأكيد وهما مسكنان ومكسوران منونان مع التخفيف والتشديد، ويقال: عند الرضا والإعجاب والفخر وقوله: ذلك مال رائح من الرواج مقابل الغدو ويشهد له قولهم، والمال غاد ورائح وهو حث على الإنفاق وفعل الخير إذ لكل ممسك تلف وقيل معناه تروح إليه وتغدو لقربه من البلد، وروي رابح بال! اء الموحدة أي إنفاقه ربح له لبقاء ثوابه وتضاعفه عند الله وقوله: رائح أو رابح إشارة! إلى الوجهين وأو للشك من الراوي ومن جوّز فيه أن يكون بالجيم من الرواج فقد خالف الرواية وقوله: (وجاء زيد الخ) رواه ابن المنذر وابن جرير مرسلاً، وقوله: وذلك أي الحديث وأقرب الأقارب الولد لأن أسامة بن زيد ودلالة الحديث على المستحب ظاهرة فيعلم منه الواجب بالضرورة، وقوله: ويحتمل التبيين والتقدير حينئذ شيئاً مما تحبون، وذلك الشيء بعض ما تحبون فلا يخالف تلك القراءة معنى فلا يرد ما قيل إنّ من البيانية ظرف مستقز صفة نكرة أو حال عن معرفة، ولا يظهر هنا إلا بحذف مفعول تنفقوا على أحد الوجهين وهو تكلف ظاهر. قوله:) من أيّ شيء (التعميم مستفاد من النكرة بعد الشرط ولذا بين اسم الشرط ولم يطلق لئلا يصرف إلى ما يحبونه وقوله: {فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} فيه إشارة إلى الحث على إخفاء
الصدقة. قوله: (أي المطعومات والمراد كلها) جعله بمعنى الجمع لأنّ كل المضافة للمفرد المعرفة لعموم الأجزاء وهو أيضا مصدر منعوت به معنى فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، كما في قوله: حلا وإنما ذكره ثمة لأنه وقع موصوفا به صريحا لكونه خبرا ومنه يعلم حال هذا، والاستواء المذكور هو الأصل المطرد فلا ينافيه قول الرضى: إنه يقال رجل عدل ورجلان عدلان رعاية لجانب المعنى، وقيل: إنه إذا جعل الطعام بمعنى المطعومات أفاد الاستغراق كما هو شأن الجمع المعرّف باللام فكل للتأكيد وإنما قال أكلها لفهمه من الطعام بمعنى المطعوم ولئلا يتوهم أن المراد إنفاقه بقرينة ما قبله، ومناسته لما قبله لأنّ الأكل إنفاق مما يحب لكنه على نفسه. قوله: (كان به عرق النسا الخ) هذا حديث أخرجه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (بسند صحيح، والئسا يوزن العصا عرق في باطن الفخذ إلى القدم مقصور واويّ أو يائي وأنكر قوم من أهل اللغة إضافة العرق إليه وجوّزه آخرون لأنه من إضافة العام إلى الخاص مع اختلاف لفظيهما، وقيل النسا الفخذ وأنشدوا:
لما رأيت ملوك كندة أصبحت كالرجل خان الرجل عرق نسائها
وروي في الحديث أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام كان به عرق النسا وجمعه أنساء ثم
أنه صار في العرف عبارة عن وجع يمتد من الورك من خلف وينزل إلى الركبة، وربما بلغ إلى الكعب وهو المراد هنا فهو اسم مرض! معروف، وذلك إشارة إلى ما ذكر من لحوم الإبل وألبانها، وقوله: وقيل فعل ذلك للتداوي

الصفحة 45