كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

للنحاة أظهرها أن أنتم مبتدأ واسم الإشارة خبره والجملة بعده حال والعامل فيها ما في الإشارة أو التنبيه من معنى الفعل كما حقق في العربية لأنّ العرب قالوا ها أنت ذا قائما فصرّحوا بالحالية، وان كان المعنى على الإخبار بالحال لأنه المقصود بالاستبعاد ومدلول الضمير اسم الإشارة متحد، وقيل أنتم مبتدأ والجملة خبره نقله المعرب عن ابن كيسان وغيره، وأولاء منصوب على النداء أو الاختصاص وضعفوه بأنه خلاف الظاهر والاختصاص لا يكون باسم الإشارة، وقيل: هو مبتدأ وخبر وا) جملة مستأنفة للبيان وقال الرضي: ليس المراد من ها أنا وها أنت ذا تعريف نفسك أو المخاطب إذ لا فائدة فيه بل استغراب وقوع الفعل المذكور بعده منك أو من مخاطبك وأنه كان غير متوقع فالجملة لازمة لبيان الحال المستغربة ولا محل لها إذ هي مستأنفة.
وقال البصريون: هي حالية في محل نصب، وهي لازمة إذ هي المقصود الذي تتم به الفائدة وردّه بما بيناه في حواشيه قيل: فقد فات المصنف أرجح التوجيهات وهو كون يحبونهم جملة مستأنفة.
ولو قال أو خبر ثان لم يفته فلعله سبق قلم وما سوى الحال ابتداع منه منشؤه عدم الاطلاع ومتابعة العقل مع أنه لا يخفى حال الحال، ولا يخفى أنه مجازفة منه فإنّ المتقدّمين جوزوا في هذه الجملة الخبرية كما مرّ نقله.
ووجوه التركيب لا حجر فيها، وما ردّه الرضيّ هو الظاهر من كلام المعرب وما قاله بحث يظهر جوابه بالتأمل فلا تغترّ بالتجويز العقلي، وعلى أنّ المعنى تحبون هؤلاء يكون المشار إليه الكفار ويتغاير مدلوله ومدلول الضمير وقوله: (أوصلته) بناء على أن أسماء الإشارات تكون موصولة كما مرّ، وإذا عمل فيه معنى الإشارة فعاملهما بحسب التحقيق واحد
لأنه في معنى أشير إليكم في هذه الحالة، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى فلا يرد أن اسم الإشارة خبر وعامله المبتدأ أو الابتداء وعامل الحال معنى الفعل فيه والإشارة للتحقير فاستعملت هنا للتوبيخ كأنه ازدرى بهم لظهور خطئهم، فافهمه. قوله: (بجنس الكتاب الخ) كله تأكيد للجنس لا للكتاب وكونه من قبيل الرجل أي الكامل كما قيل تعسف وكونهم لا يؤمنون بكتابكم مأخوذ من فحوى الكلام ومما بعده، وأشار بقوله: وأنكم تؤمنون إلى أنّ الجملة مؤوّلة بالاسمية ولذا قرنت بالواو، والمعروف فيه تقدير أنتم ولم يجعل معطوفا على ولا يحبونكم أو تحبونهم كما ارتضاه أبو حيان لأنه في معرض التخطئة، ولا كذلك الإيمان بالكتاب فإنه محض الصواب وان أعتذر له بأنّ المعنى يجمعون بين محبة الكفار والإيمان وهما لا يجتمعان لبعده والحالية مقرّرة للخطأ فتأمل. قوله: (وفيه توبيخ (أي في قوله: ها أنتم الخ لا في هذه الجملة فقط، كما توهم وقوله: لم يجدوا إلى التشفي سبيلاً المراد بالتشفي شفاء الصدر بنيل المراد، وعض الأنامل عادة النادم العاجز، فلذا فسره بما ذكر. قوله: (دعاء عليهم بدوام الغيظ الخ) هذا من الكناية لأنّ الموت على الغيظ يلزمه استمراره عرفا، ويلزم من ذلك قوّة الإسلام وتزايده عصراً بعد عصر قال النحرير رحمه الله: يشير إلى أنه من كناية الكناية غير مدعي موتهم بالغيظ بل ملزومه الذي هو دعاء ازدياد غيظهم إلى حد الهلاك وبه عن ملزومه الذي هو قوّة الإسلام وأهله وذلك لأنّ مجرّد الموت بالغيظ أو ازدياده ليس مما يحسن أن يطلب ويدعي.
(قلت) المجاز على المجاز مذكور، وأمّا الكناية على الكناية فنادرة وقد صرح بها السبكي في قواعده الأصولية ونقل فيها خلافا إلا أنه ما الفرق بين الكناية بوسايط والكناية على الكناية فإنه محتاج إلى التأمل الصادق ومن العجب ما قيل كونه دعاء عليهم مما اتفقت عليه كلمتهم وفيه خفاء إذ في الدعاء لا يخاطب المدعوّ عليه بل الله تعالى ويسأل منه ابتلاؤه، وهو غفلة عن قولهم قاتلك الله وقولهم دم بعز وبت قرير عين وغيره مما لا يحصى. قوله: (بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب الخ (إن كان المخاطب بقل كل من يقف على الكلام فلا كلام في
كون التعجب على حقيقته وظاهره وان كان النبيّ يكتي! فهو خارج مخرح العادة مجازا والمراد منه تعظيم الله والنظر فيما تكل العقول عنه من دقائق علمه على ما حققه الزمخشرفي وغيره في قوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [سورة مريم، الآية: 38] كما سيأتي، ومن لم يتنبه لهذا قال النهي عن التعجب المذكور يفيد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم اطلاعه على ما في الصدور فالوجه الأوّل وهو من قلة التدبر. قوله:

الصفحة 58