كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

وعلى ما بعده هما متغايران وأو للتنويع على الوجوه، وأشار بقوله: تذكروا إلى أنه ليس المراد مجرّد ذكر اسمه كما أنه ليس المراد من الاستغفار مجرّد طلب المغفرة بل الندم والتوبة. قوله: (والمراد به وصفه سبحانه وتعالى بسعة الرحمة (سعتها تؤخذ من أنه لا يغفر جميع الذنوب إلا هو إذ يلزمه شمول المغفرة والرحمة وهو عين سعتها، فإن قلت: هذا ترديد بين الخاص والعام، وقد تقدم أنّ أولاً تعطف مثله فما وجهه، قلت: وجه بأنه ترديد بين فرقتين من يستغفر للفاحشة ومن يستغفر لأقي ذنب صدر عنه، وكم بينهما وكأنّ من خصصه احترز عن هذا، وكون الاستفهام نفياً يصحح الاستثناء المفرغ ظاهر، وأما احتمال أنّ الجملة حالية بتقدير قائلين فتعسف بارد. قوله: (ولم يقيموا على ذنويهم غير مستغفرين الخ) غير مستغفرين حال من الضمير في يقيموا والمجموع تفسير لقوله: ولم يصرّوا لأن الإصرار الإقامة على القبيح من غير استغفار ورجوع بالتوبة، وأمّا توهم أن عدم الاستغفار قيد في عدم الإصرار والمعنى لم يكونوا مصرين غير مستغفرين فلا طائل تحته كذا قال النحرير رحمه الله وقوله:) ما أصرّ من استغفر (الحديث أخرجه الترمذفي وأبو داود عن الصذيق رضي الله عنه. قوله: (وهم يعلمون حال الخ) قيل الحال بعد الفعل المنفيئ، وكذا جميع القيود قد تكون راجعة إلى النفي قيداً له دون المنفيّ مثل ما جئتك لاشتغالي بأمورك أو مشتغلا بها بمعنى تركت المجيء لذلك، وقد
تكون إلى ما دخله النفي مثل ما جئتك راكبا وما ضربت تأديبا، وهم يعلمون ليس قيداً للنفي لعدم الفائدة لأنّ ترك الإصرار موجب للأجر والجزاء سواء كان مع العلم بالقبح أو مع الجهل بل مع الجهل أولى وإذا قيد الفعل المنفيّ فله معنيان.
أحدهما: وهو الأكثر أن يكون النفي راجعا إلى القيد فقط ويثبت أصل الفعل، مثل ما
جئت راكبا بمعنى جئت غير راكب وقد ذكر في قوله تعالى: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [سورة الفرقان، الآية: 73] أنه نفي للصمم والعمي وأثبات للخرور وأنّ النفي إذا ورد على ذات مقيدة بالحال يكون إثباتا للذات ونفياً للحال، وهذا أيضا ليس بمراد إذ ليس المعنى على إثبات الإصرار ونفي العلم.
وثانيهما: أن يقصد نفي الفعل والقيد معاً بمعنى انتفاء كل من الأمرين مثل ما جئتك راكبا بمعنى لا مجيء ولا ركوب وهذا أيضاً ليس بمناسب إذ ليس المعنى على نفي العلم والإصرار أو بمعنى انتفاء الفعل من غير اعتبار لنفي القيد واثباته، وهذا هو المناسب في الآية أي لم يصرّوا عالمين بمعنى أنّ عدم الإصرار متحقق البتة، وعلى هذا ينبغي أن يحمل وحرف النفي منصت عليهما معا والحاصل أنّ النفي في الكلام قد يكودط لنفي القيد والمقيد بمعنى انتفاء كل من الفعل والقيد أو القيد فقط، وردّ بأنّ المعنى أنهم عالمون بقبحه وجزائه حتى لو ترك الإصرار لكل أو تنفر طبع لم يكن له جزاء لأنّ الجزاء على الكف لا على العدم والا لكان لكل أحد أجزية لا تتناهى لعدم قبائح لا تتناهى مما لا يخطر بباله وقد صرحوا به في الأصول فقوله: (وهم يعلمون) تقييد للمنفيّ والنفي راجع إلى الفيد يعني لم يكن لهم الإصرار مع العلم بالقبح لأنّ المصرّ مع عدم العلم بالقبح لا يحرم الجزاء وغير المصرّ للكسالة أو لعدم ميل الطبع لم يبلغه، وفيه بحث. قوله: (خبر للذين إن ابتدأت به) يعني أنّ في هذه الجملة إعرابين وفي كل منهما ما يعين ترك العاطف وقوله: (ولا يلزم الخ) ردّ على الزمخشريّ في زعمه أنها دالة على خلود العاصين ولا دلالة فيها كما ذكره المصنف رحمه الله، وهو الحق واستدل عليه بما مرّ في النار وقوله: (على الآوّل) أعني جعله خبرا وكلاما آخر، وأمّا إذا جعل بيانا لما قبله فلا يدل عليه لأنه بالغ في الأول في وصف مقرّهم بما ليس في هذه وقوله: (فصل آيتهم (بالتخفيف أي أتى بفاصلتها وآخرها وقوله: (مستوجبون لمحبة الله) أي مستحقون لها بالتفضل
والتكرّم منه فليس مخالفاً لمذهبنا والتخطي إلى التخصيص من كثرة التصدق، وكظم الغيظ، وتدارك التقصير بالتوبة والاستغفار وقدر المحذوف ذلك أي ما ذكر لأنه أشمل من تلك، والجزاء للمحسنين يكون زيلدة واضعافا بخلاف الأجر فإنه على قدر العمل. قوله: (وقايع الخ) السنن جمع سنة بمعنى طريقة وعادة، ومنه سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد بها هنا الوقايع السالفة لأنها جارية على عادة الله.
وقال: في المفصل السنة بمعنى الأمّة من الناس وأنثد " البيت المذكور، وقد قالوا: إنه لا
دليل فيه لاحتماله المعنى المشهور وهو ظاهر، وقيل: السنن هنا بمعنى الأديان ولا

الصفحة 63