كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

عند حلول ميعاده وأشار إليه، وهذا يوضح ما مز من قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] فتنبه له. قوله: (عطف على علة محذوفة الما كان الظاهر ليعلم بدون واو على أنه تعليل لما قبله احتاج للتأويل كما مرّ بأن يقدر معطوف عليه حذف لقصد الإبهام، وتكثير الفائدة أي تلك الأيام نجعلها دولاً لحكم وفوائد جمة وليعلم الخ فحذف العلة لا المعلل وقوله: إيذانا أي من أوّل الأمر والا فلو ذكر كذلك لدل على ما ذكر لكن في الحذف إيهام أنه مما يطول لتعدده ويقصر عنه البيان ولا يحيط به علم البشر واليه أشار بقوله: ما لا يعلم ولا شك أنّ فيه ما ليس في الذكر، وقيل: إنه معطوف على ما قبله باعتبار المعنى لأنّ معناه لجري عادتنا بذلك وليعلم. قوله: (أو الفعل المعلل به محذوف الخ) بخلاف الأوّل فإنه مذكور والمحذوف العلة فالعلم كناية عما ذكر لأنّ علمه بهم يستلزم وجودهم كذلك لا إنه مجاز عن التمثيل بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب، وجعله الزمخشريّ تمثيلاً بتشبيه الحالة بالحالة، ومعناه فعلنا فعل من يريد أن يتميز الثابت عنده من غيره، وإنما لم يحمل الكلام على حقيقته لدلالته على أنّ العلم يحصل بعد الفعل وعلمه تعالى أزلي لا يتصف بالحدوث، ولو سلم فالعلم بالمؤمن والكافر حاصل قبل ذلك الفعل وقوله: (على حرف) أي غير ثابت كما سيأتي. قوله. (والقصد في أمثاله ونقائضه) أي إثبات العلم ونفيه كقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ} الآتي يعني أنّ الغرض والحكمة في التعليل بحصول علمه المكنى به عن التمييز ليعلم الذين آمنوا وقوّة الثابتين على
الإيمان بطريق البرهان فإنّ علمه دليل على ثبوتهم، ولا يخفى أنه إمّا أن يكون المراد من إثبات
العلم إثباته في الخارج فيلزم أن يكون إثباته في الخارج أزليا وإلا لم يصح استدلاله من علمه
تعالى على ثبوته إذ صحة الاستدلال إنما هي بالاستلزام أو يكون المراد إثباته في علم الله، ولا
يخفى إنّ إثباته في علم الله وعلمه تعالى واحد فلا وجه للحكم بالقصد إلى الأوّل دون الثاني
وأجيب باختيار الأوّل ولا يلزم أزلية المعلوم في الخارج لأنّ المراد من العلم تعلقه الحادث
بالوجود الخارجي وبهذا سقط ما قيل: إنّ المثبت هنا هو التمييز لا المعلوم الذي هو
المؤمنون، ولا حاجة إلى أنّ المراد ليعلم الثابتون على الإيمان، والمقصود وليتحقق الثبات
على الإيمان بطريق البرهان والمراد بالتميز التميز في الخارج الذي هو كناية عن التحقق لا
التميز عند الله الذي هو لازم علمه وذلك في قوله: (فعلنا ذلك) إشارة إلى التداول المذكور في
قوله: وتلك الأيام الخ وقوله: (وقيل الخ) هو مختار الزمخشريّ وغيره أي المراد بالعلم تعلقه
التنجيزي المترتب عليه الجزاء قال الزجاح: المعنى ليقع ما علمناه غيبا مشاهدة للناس ويقع
منكم وإنما تقع المجازاة على ما علم الله من الخلق وقوعه لا على ما لم يقع وفي الانتصاف
التعبير عن نفي المعلوم بنفي العلم خاص بعلمه تعالى، وكلام الزمخشريّ يقتضي عدم
اختصاصه وهو الظاهر فتأمّل. قوله: (ويكرم ناساً منكم بالشهاد 3 اسخ) فشهداء جمع شيد بمعنى
فتيل المعركة وعلى ما بعده بمعنى شاهد وكنى بالاتخاذ عن الإكرام لأنّ من اتخذ شيئأ لنفسه
فقد اختاره وارتضاه كقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [سورة طه، الآية: 41] لأن الشهيد مقرّب في
حظيرة القدس، وعلى الثاني فهو كقوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سررة البقرة، الآية:
143] المعلل به وكذلك {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] أي خياراً حتى تكونوا
اصحاب عزم وصبر كما هنا بما يبتلى به صبرهم من الشدائد. قوله: (الذين يضمرون الخ)
أخذه من مقابلة المؤمنين بمعنى الثابتين على الإيمان وظاهرهم يوافق باطنهم، والقرينة عليه
سبب النزول من قصة ابن أبيئ المنافق وكذا تفسيره بالكافرين ووجه التنبيه ظاهر لأنّ المحب
انمر من أحبه وإذا لم يرد ذلك كان لا محالة استدراجاً. قوله: (ليطهرهم ويصفيهم) المحص
في اللغة تخليص الشيء عما فيه عيب يقال محصت الذهب إذا أزلت خبثه قال الراغب
ظ لتمحيص هنا كالتزكية والتطهير وفي الأدعية المأثورة اللهمّ محص عنا ذنوبنا وقوله الدولة قال
الراغب: بالفتح والضم بمعنى واحد، وقيل: هي بالضم في المال وبالفتح في الحرب والجاه، وقيل: بالضم اسم الشيء المتداول وبالفتح مصدر، ولما كان المؤمنون قد تمحص ما فيهم وتطهر، والكافرون خبث كلهم انمحقوا والمحق تنقيص الشيء قليلاً قليلاً ومنه المحاق. قوله: (بل أحسبتم) يعني أن أم منقطعة مقدرة ببل وهمزة الاستفهام الإنكاري، وقيل إنها متصلة وعديلها مقدر، وهو تكلف ولذا تركه المصنف رحمه

الصفحة 65