كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

الله وقوله: (ولما تجاهدوا) إشارة إلى ما مرّ أنّ نفي العلم عبارة عن نفي المعلوم وتجري فيه الوجوه الأخر قبله وفي رمز إلى ترك الرياء وأنّ المقصود من الفعل علم الله لا الناس، ووجه الدلالة على أنه فرض كفاية من من التبعيضة وفي بعض النسخ ولما يجاهد بعضكم. قوله: (والفرق بين لما ولم الخ) أي النافيتين الجازمتين قال الزجاح: إذا قيل قد فعل فلان فجوابه لما يفعل، وإذا قيل فعل فلان فجوابه لم يفعل، وإذا قيل: لقد فعل فجوابه ما فعل كأنه قال والله لقد فعل فقال المجيب: والله ما فعل، وإذا قيل هو يفعل يريد ما يستقبل فجوابه لا يفعل، وأذا قيل سيفعل فجوابه لن يفعل فلا عبرة لإنكار أبي حيان التوقع في لما ومن فتح الميم جعله مؤكداً بنون خفيفة محذوفة في الدرج كقوله:
إذا قال قدني قال بالله حلفة لتغني عني ذا أنائك أجمعا
على رواية فتح اللام وحذفها جائز قيل مطلقا، وقيل بشرط ملاقاة ساكن بعدها، وقيل:
إنّ فتح الميم اتباع للام في تحريك أحد الساكنين ليبقى تفخيم اسم الله ولم يرتكب هذا فيما بعده لبعده. قوله: (نصب بإضمار أن) نصب أمّا مصدر أو ماض مجهول والناصب له أن المصدرية على الصحيح، وقيل: الواو وتسمى واو الصرف وجوّز فيه الوجه السابق في ولما! يعلم وعلى قراءة الرفع قيل هو مستأنف، وقيل: حال بتقدير مبتدأ أي وهو يعلم الصابرين واليه أشار بتأويلها بالاسمية. قوله: (أي الحرب فإنها من أسباب الموت الخ (فالتمني للحرب لا للموت فإنه لا يطلب الدعاء به كما صرحوا به أو إنه جائز لا مطلقاً بل بتمني الشهادة، ولا يرد عليه أنّ في تمنيها تمني غلبة الكفرة لأنّ قصد متمني الشهادة الوصول إلى نيل كرامة الشهداء لا
غير، ولا يذهب إلى ذلك وهمه كما أن من يشرب دواء النصراني يقصد الشفاء لا نفعه ولا ترويج صناعته، لأنّ غلبة الكفرة لا يكون بموت واحد، وقد وقع هذا التمني من عبد الذ بن رواحة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه، وأشار فيما سيأتي إلى جواب آخر وهو أن المقصود توبيخهم على ذلك، والمسنون فيه أن يقول اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وأمتني ما علمت الممات خيراً لي كما صرح به الفقهاء. قوله: (أي فقد رأيتموه معاينين له الخ) قال الزجاج: رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول رأيت كذا وليس في عيني علة أي رأيته رؤية حقيقية أي فهي حال مؤكدة مقترنة بالواو كما مرّ تحقيقه، والتعبير بالرؤية دون الفعل كناية عن انهزامهم وقد شاهدوا من قبل بين أيديهم ففيه توبيخ لهم على ذلك أو على تمني الشهادة وهم لم يثبتوا حتى يستشهدوا. قوله: (فسيخلو كما خلوا بالموت أو القتل) الذي توهموه، ولو تركه كما في الكشاف لكان أولى لكن هذا مناسب لقوله أو قتل. قوله: (إنكار لارتدادهم الخ (والارتداد مأخوذ من قوله: {انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} لأن معناه رجعتم إلى ما كنتم عليه من الكفر وليس ارتداداً حقيقة وإنما هو تغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلامه لهم ولذا فسر الانقلاب بالأدبار أو الإنكار هنا بمعنى أنه لم يكن ذلك ولا ينبغي لا إنكار لما وقع أو هو إخبار عما وقع لأهل الردة بعد موته وتعريض بما وقع من الهزيمة لشبهه به، والمنكر ترتيب الارتداد على خلوه بموت أو قتل والفاء استئنافية أو لمجزد التعقيب لا للسببية فإنه لا ينسب على خلوه وخلو الرسل ما ذكر بل عكسه وسيأتي ما يعلم منه جوابه. قوله:) وقيل الفاء للسببية الخ) هذا رد على الزمخشرقي حيث قال: الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة التي قبلها على معنى التسبب والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت، أو قتل مع علمهم إن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سبباً للتمسك بدين محمد صلى الله عليه وسلم لا الانقلاب عنه، قال النحرير؟ لا خفاء في أن الفاء تفيد تعليق الجملة الشرطية أعني مضمون الجزاء مع اعتبار التقييد بالشرط بالجملة قبلها، وهي وما محمد الخ تعليقا على وجه تسببها عن الجملة السابقة وترتبها عليها، وتوسيط الهمزة لإنكار ذلك أي لا ينبغي أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا
لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بل سبباً لتمسكهم بدينه، كما هو حكم سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ففي انقلابهم على أعقابهم تعكيس لموجب القضية المحققة التي هي كونه رسولاً يخلو كما خلت الرسل اهـ، فقد

الصفحة 66