كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

حمل كلامه على إنكار التعقيب لأن كلامه صريح فيه ومنهم من حمله على تعقيب الإنكار، والأوّل أنسب بكلام العلامة، ثم اعلم أنّ صاحب المفتاح رحمه الله صرح بأن هذه الآية من قبيل قصر الإفراد إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل استعظام هلاكه منزلة استبعادهم إياه وانكارهم حتى كأنهم اعتقدوا فيه وصفين الرسالة والتبرّي عن الهلاك فقصر على الرسالة نفيا للتبري عن الهلاك قال النحرير: وفيه بعد من جهة عدم اعتبار الوصف أعني قد خلت من قبله الرسل حتى كأنه لم يجعل وصفاً بل ابتداء كلام لبيان أنه ليس متبرئاً عن الهلاك كسائر الرسل في أنه يخلو كما خلوا ويجب التمسك بدينه بعده كما يجب التمسك بدينهم بعدهم فرد عليهم بأنه ليس إلا رسولاً كسائر الرسل سيخلو كما خلوا، ويجب التمسك بدينه كما وجب بدينهم، وهو صريح كلام المصنف رحمه الله، ومن زعم أنه يلزم من حمله على قصر القلب أن يكون المخاطبون منكرين للرسالة فقد أخطأ خطأ بينا وذهل عن الوصف يعني جملة قد خلت فإنها صفة لرسول، وقيل حال من الضمير فيه والأصح الأوّل وهو تصحيح للمسلكين وأنّ من جعله قصر إفراد لم ينظر إلى الوصف ومن جعله قصر قلب نظر إليه وهو الظاهر وردّ لما قال العلامة من أن صاحب المفتاح لم ينظر إلى قوله قد خلت الخ فكأنهم ذهبوا إلى أنه صلى الله عليه وسلم رسول، ولا يموت فقيل ما هو إلا رسول يموت كسائر الرسل، وحيحئذ لا يترتب عليه الانقلاب فتبطل فائدة الفاء، ولا يطابقه التعريض بهم في قوله فما وهنوا الخ كما سيجيء، ومن حمل التركيب على قصر القلب فقد أخطأ لأنه أثبت الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم والقوم لم ينكروها والا لزم ارتدادهم لكن المصنف صرح بأنه لم يرتد أحد منهم اهـ.
ووجه الرد عليه أنّ التقييد في محله وأن من قال: يقصر القلب لأخطأ في كلامه كما توهم، ثم إنّ في كلامه بحثا من وجهين الأوّل إن ردّه على العلامة تخطئة القائل بالقلب، إنما يتوجه لو علم كلامه حتى يقال إنه لاحظ معنى الصفة أو لم يلاحظها الثاني أنه ادّعى لزوم أنّ جملة قد خلت مستأنفة، وهو بعيد لمخالفته للقواعد في الجمل بعد النكرات، والداعي له أنها لو كانت صفة لكان القصر منصباً عليها، وهو مخالف لتقريرهم وليس بلازم لجواز أن يكون صفة مؤكدة لمعنى القصر متأخرة عنه في التقدير كقولك ما زيد إلا عالم يعلم الدقائق والحقائق فإنه لا ينافي القصر إلى معنى أنه عالم لا جاهل، وهذا تحقيق لطيف في التوابع الواردة في باب القصر وممن ذهب إلى القصر القلبي الطيبي وتبعه في الكشف لكنه لاحظ الصفة فإنه قال: التركيب من القصر القلبي لأنه جعل المخاطبين بسبب ما صدر عنهم من النكوص على أعقابهم عند الإرجاف بقتله صلى الله عليه وسلم كأنهم اعتقدوا أنه ليس حكمه حكم سائر الرسل المتقدمة عليهم الصلاة
والسلام في وجوب اتباع دينهم بعد موتهم بل على خلافه فأنكر الله عليهم ذلك وبين أن حكمه حكمهم الخ، فإن قلت كيف جوّزوا قتله صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أسورة المائدة، الآية: 67] قلت أجابوا عنه بأنه لا يعلم ذلك كل أحد والعالم به قد يذهب عنه لهول المقام مع أجوبة أخر. قوله: (روي أنه لما رمي الخ) عبد القه بن قميئة بقاف وميم وياء وهمزة وهاء بوزن سفينة علم من القماءة، وهي الصغر والحقارة وهذا مخالف لما سبق في قوله ليس لك من الأمر شيء من أنه عتبة بن أبي وقاص لكن ابن الجرزي والطيبي صححوا هذه الرواية، قوله: حتى قتله أي قتل مصعباً رضي الله تعالى عنه، والصارخ قيل إنه الشيطان وانكفا الناس استعارة بمعنى رجعوا والى عباد الله اسم فعل أي ارجعوا وعباد الله مفعوله، وانحاز بمعنى اجتمع وقوله: وشدّ بسيفه أي حمل وأصل معنى الشد العقد، قالوا شد في عدوه بمعنى أسرع قال: ويجوز أن يكون أصله شد حزامه للعدو. قوله: (بل يضر نفسه (أخذه من توجه النفي إلى المفعول فإنه يفيد أنه يضر غير الله وليس إلا نفسه، وقوله: بالثبات عليه إشارة إلى أنه مجاز وضعفيه الشاكرين موضع الثابتين على الإسلام لأنه ناشئ عن تيقن حقيته، وذلك شكر له وأنس هو ابن النضر لسابق. قوله: " لا بمشيئته تعالى أو بإذنه فملك الموت الخ) ههنا شيآن ما كان له أن يموت وبإذن الله، والأول: إنما يستعمل في الفعل الذي يقدم عليه اختياراً فجعله الزمخشريّ تمثيلاً بأن أخرح مخرح فعل اختياري لا يقدّم عليه إلا بإذن، والمراد عدم القدرة عليه والثاني: إذن الله وهو مستعار

الصفحة 67