كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

اعترف به القائل كما سيأتي وهو الذي حمل الزمخشريّ على تخصيصمه بالمؤمنين فلله دره. قوله: (وليكشفه ويميزه الخ) قد مرّ معنى التمحيص، واسناده في النظم سابقاً للمؤمنين يقتضي ترجيح الوجه الثاني الذي اقتصر عليه الزمخشرفي، وعلى التعميم يفسر بالتمييز والمراد بما في قلوبهم الاعتقاد ولذا قال ما في قلوبكم ولم يقل قلوبكم ولا يرد عليه أنّ الخطاب للمنافقين وهو لا يناسب التخليص من الوسواس كما مر، وذات الصدور ما في القلوب التي فيها جعلها لتمكنها منها كأنها مالكة لها وقيده بقوله: قبل إظهارها لدلالة صيغة المبالغة عليه إذ بعد إبدائها لا تكون كذلك وجعله وعداً ووعيداً بناء على العموم الذي ارتضاه والعالم بالخفيات لا يحتاج إلى الامتحان والتجربة فهذا دليل على أنه تمثيل كما مرّ قوله:) يعني أن الذين انهزموا يوم أحد الخ (في الكشاف اسنزلهم طلب منهم الزال ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم أي إن المنهزمين بأحد كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا يعني أن التولي غير الاستزلال، وقيل استزلال الشيطان إياهم هو التولي وإنما دعاهم إليه بذنوب تقدّمت لهم لأنّ الذنب يجرّ الذنب كما أنّ الطاعة تجرّ الطاعة.
وقال الحسن استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة، وقيل: بعض ما كسبوا ترك المركز
الذي أمرهم به صلى الله عليه وسلم فجرّهم ذلك إلى الهزيمة وقيل: ذكرهم خطايا لهم تركوا لقاء الله معها فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية وقوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} كقوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة المائدة، الآية: 5 ا] يعني أنّ في الآية وجهين مبني الثاني على أنّ الزلل الذي أوقعهم فيه ودعاهم إليه هو التولي، وبعض ما كسبوا أمّا الذنوب السابقة ومعنى السببية انجرارها إليه كما في الطاعات تجرّ البعض إلى البعض، وأما قبول ما زين لهم الشيطان من الهزيمة وأمّا مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم بالثبات في المركز وأمّا الذنوب السابقة لا بطريق الانجرار بل لكراهة الجهاد معها فاستزلال الشيطان إيقاعهم في التولي بتذكيره إياهم تلك الذنوب حالة القتال فالوجه الثاني أربعة أوجه لا خفاء فيها، وإنما الخفاء في الأوّل المبنيّ على أنّ الزلل ليس هو التولي والانهزام بل الذنوب المفضية إليه من جهة منعها التأييد وتقوية القلب، والمعنى إنّ الذين تولوا إنما سبب توليهم استزلال الشيطان إياهم ببعض الذنوب أي إيقاعهم في الزلل، ودعاؤهم إليه بأن اقترفوا ذنوبا لم يستحقوا معها التأييد الإلهيّ، وقوّة القلب فلذا تولوا والجار والمجرور أي ببعض الخ في موقع البيان والتقرير للزلل وايقاعهم فيه بأن أطاعوه، واقترفوا الذنوب كما يقال استزله الشيطان بقتل المسلم فقوله: استزلال الشيطان توليهم وذلك لكونه زللا عن موقف الحق والمركز المأمور به وإذا أريد به الذنوب فبالمعنى الأخير، والمصنف رحمه الله أشار إلى زبدته على أخصر وجه وصرح بترك المركز وغيره وأومأ إلى تزيين الشيطان بالحرص على الغنيمة والحياة لم يتركهما كما توهم، وقوله: ببعض ما كسبوا ليس بعض زائدة ولا حاجة إليه بل إشارة إلى أن في كسبهم ما هو طاعة لا يوجب الاستزلال أو يقال: هذه العقوبة ليست بكل ما كسبوا فإنه يستحق به عقوبة أزيد منها لكنه تعالى من بالعفو عن كثير {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [سورة فاطر، الآية: 45] ولذلك ذيله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . قوله: (يعني المنافقين الخ) فسر الكفرة بهم لأنهم هم القائلون كابن أبيئ وهم كفرة في نفس الأمر وقولهم لأجلهم الخ جعل اللام تعليلية لأنهم غائبون لقوله إذا ضربوا فلا حاجة لتأويله وأمّا شمول الإخوان للغائبين والحاضرين والقول لبضهم وهم الحاضرون والضرب لبعض آخر كما قيل فتكلف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول، وعمم الأخوة للحقيقية والمجازية كالصداقة وموافقة الاعتقاد وتقدّم أنه يجمع فيهما على إخوان لكنه غلب في الثاني. قوله: (إذا سافروا الخ (أصل الضرب إيقاع شيء على شيء واستعمل في السير لما فيه من ضرب الأرض بالرجل، ثم صار حقيقة فيه، وإنما قابل الغزو به
لأنه قد يكون بدونه كما في أحد. قوله: (وكان حقه إذا لقوله قالوا الخ) يعني أن متعلقه ماض! فحقه إذ لأنها للمضيّ وجعله لحكاية الحال الماضية تبع فيه الزمخشري، وقد اعترض! بوجهين الأوّل أن حكاية الحال إنما

الصفحة 73