كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

رجاء ولا ثواب إلا منه وادخال لام القسم على المعمول المقدم مشعر بتأكيد الحصر والاختصاص، وبأنّ ألوهيته هي التي تقتضي ذلك، وقوله: الذي توجهتم إليه يقتضي أن في هذه الجملة مقدّرا بقرينة ما قبله أي ولئن متم أو قتلتم في سبيل الله ولو حمل على العموم لكان أولى، وقوله: لا محالة مأخوذ من التأكيد بالقسم ولما كان المقصود من ذكر الحشر ذكر ما فيه من الجزاء قال فيوفي الخ. قوله: (والدلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلا برحمة) وفي نسخة والتنبيه وقد تبع فيه الكشاف، ولما كان مخالفاً لما تقرر من أن الحصر إنما يستفاد من التقديم لا من التأكيد الزائدة ونحوه ذهب شراحه إلى أنّ الحصر إنما استفيد من تقديم الجار والمجرور وزيادة ما إنما تفيد تأكيد ذلك قالوا ففي كلامه حذف أي ما مزيدة والظرف مقدم للتأكيد، والدلالة على اللف والنشر التقديري، ولا يخفى ما فيه من العناية التي هي بسلامة الأمير وقد وقع من الزمخشري هذا في مواضع من كشافه ولا قرينة على ما ذكروه، ولو قيل: إن الحصر إنما استفيد من التقديم لدلالته على الاهتمام به والتأكيد أيضا يدل على ذلك فلا مانع من دلالته على الحصر أيضاً لأنّ تأكيد سببيته يفيد أنه لا سبب غيرها ولعل هذا مراده لكن الشراح لم يعوّلوا عليه لأنه لم يذكره أحد من أهل المعاني وكم في كتابه من أمثاله، وقد صرح به في بعض كتبه وربط الله على جأشه أي تقوية قلبه من قولهم فلأن رابط الجأس بالهمزة أي شديد القلب كأنه يربط نفسه عن الفرار لشجاعته، وإنما جعل اللين مسبباً عن ربط الجأس لأنّ من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة والفظاظة سوء الخلق وترك حسن العشرة وغلظ القلب القساوة وعدم التأثر والمراد برحمة الله ما يرحمه به مما ذكر أو الرحمة التي خلقها في فطرته. قوله:) وشاورهم الخ (كان عليه الصلاة والسلام مأموراً بالمشاورة مع الأصحاب، واختلف هل أمر بها في أمور الدنيا والدين أو في أمور الدنيا فمن أبى الاجتهاد له ع! ي! م ذهب إلى الثاني، ومن جوّزه وهو الأصح ذهب إلى الأوّل وهذا فيما لم يكن فيه وحي بالاتفاق فقوله في أمر الحرب بناء على الثاني أو لأنه المناسب للمقام، والاستظهار التقوّي، وقوله: (وتطييباً لنفوسهم) هذا منقول عن السلف لكن قال الجصاص في الأحكام غير جائز أن يكون الأمر بالمشاورة إلى جهة تطييب نفوسهم ورفع أقدارهم ولتقتدي الأمة به في مثله لأنه
لو كان معلوما عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط الصواب عما سئلوا عنه ثم لم يكن معمولاً به لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم، ولا رفع أقدارهم بل فيه إيحاشهم لأن آراءهم غير مقبولة ولا معوّل عليها فهذا تأويل ساقط لا معنى له فانّ المشاورة حينئذ لم تفد شيئا واذ قد بطل هذا فلا بد أن يكون لمشاورته إياهم فائدة وأن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم معهم ضرب من الاجتهاد فما وافق رأيه عمل به وما خالفه ترك من غير لوم وفيه إرشاد للاجتهاد وجوازه بحضرته صلى الله عليه وسلم واشعار بمنزلة الصحابة وأنهم كلهم أهل اجتهاد وأنّ باطنهم مرضيّ عند الله وفيه تأمل، وقوله: بعد الشورى مأخوذ من الفاء. قوله: (في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك الخ) أي ليس التوكل إهمال التدبير بالكلية بل مراعاة الأسباب مع تفويض الأمر إليه تعالى كذا في شروح الكشاف، وفي كلام الصوفية ما يخالفه وهو راجع إلى التوفيق، وقراءة عزمت على التكلم تفيد صحة إسناد العزم إلى الله تعالى وقد صرّح به أهل اللغة وأنه بمعنى القطع والإيجاب ومنه قالوا عزمات الله كما حكاه الأزهري ووقع في أوّل مسلم وشرحه، وكلام المصنف ظاهر فيه وفي أنّ المشاورة فيما لا نص فيه وقوله: فينصرهم وبهديهم لأنّ من أحب أعان محبوبه وأنجح مطلوبه. قوله: (من بعد خذلانه الخ) بعد ظرف زمان وشستعمل للمكان كقبل نقيضه على الاستعارة كما في الكشاف فقوله: بعد خذلانه وارد على الزمان بحذف مضاف، وقوله: إذا جاوزتموه وارد على المكان كما تقول جئت بعد فلان ومن بعده بمعنى واحد لكن من تدل على ابتداء المجيء، وفي المغرب في قول محمد وإنه كان بالذي لا بعد له يعني ليس له نهاية في الجودة أخذه من قولهم هذا مما ليس بعده غاية في الجودة والرداءة فاختصره وأدخل عليه لا النافية للجنس كذا في شروح الكشاف، ويعلم من التوكل عليه كفايتة لمهماتهم وأهمها النصرة ومن

الصفحة 75