كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

قوله: (فهو كائن بقضائه الخ) قيل: إنه إشارة إلى أنّ الظرف خبر مبتدأ ودخول الفاء لتضمن معنى الشرط ووجه السببية ليس بظاهر، إذ ليست الإصابة سبب التخلية بل العكس فهو من قبيل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] أي ذلك سبب للإخبار بكونه من الله لأن قيد الأوامر قد يكون للمطلوب، وقد يكون للطالب وكذا الإخبار، وتقدير هو كائن بيان للمعنى والا فالتقدير ب! ذن الله يكون ويحصل وجعل الإذن مجازاً عن التخلية اللازمة للإذن لأنّ حقيقته إنما يكون عند الأمر والرضا، وليعلم عطف على بإذن الله والمراد التميز لحصول العلم قبل الإصابة، وفيه بحث لأنه ما المانع من جعل القضاء والتخلية سببا لإصابتهم ولولا ذلك لم يغلبوهم، ثم إن جعله بمعنى التخلية تبع فيه الزمخشريّ، وقد أورد عليه أنه غفلة فإنه مذهب المعتزلة لأن غلبة الكفار ليست بإرادة الله عندهم لقبحها وأمّا عند أهل السنة فالإذن بمعنى الإرادة وكأنه غفلة عن قوله بقضائه، وفي كلام النحرير دفع آخر له. قوله: (وليتميز المؤمنون والمنافقون الخ) قد قرّر سابقا أنّ إثبات علمه كناية عن إثبات معلومة على وجه برهاني والمعلوم هنا وهو الإيمان والكفر ثابت قبل إصابة ما أصابهم فأوّله بظهورهما، ولو أوّله بالثبات لصح، وليعلم مرّ أنه عطف على باذن لسبب على سبب آخر، ويصح عطفه على علة محذوفة للإبهام كما مرّ فسقط ما قيل إن أراد التميز عند الله ورد أن الطائفتين ممتازتان في علمه دائماً وان أراد عند الناس ورد أنه لا وجه لتفسير علم الله به ولا حاجة إلى أنّ المراد لتميزهم فيتميزوا عند الخلق فاكتفى بلازمه وقوله: (أو كلام مبتد " أي معطوف على مجموع ما قبله أو هو اعتراض!. قوله: (تقسيم للأمر عليهم الخ) الظاهر أن المراد بالأمر ظاهره وجوّز فيه أن يكون بمعنى البيان، وقوله عن الأنفس والأموال أي أنفسهم وأموالهم بيان لمتعلقه، ويحتمل الدفع بأن لا يظهروا الكفر فيكون ذلك هذا فالمعنى حينئذ ادفعوا المسلمين، وهو بعيد وقوله: فإنّ كثرة السواد أي الناس يعلم من مقابلته للقتال والتخلف وقوله: يروع بالتشديد والتخفيف،
ويكسر منه على حد قوله:
تجرح في عراقيبها نصلي
قوله: (لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً) يعني نفي علم القتال كناية عن أن ما هم فيه
ليس قتالاً بناء على نفي العلم بنفي المعلوم لأنّ القتال يستدعي التكافؤ من الجانبين مع رجاء مدافعة أو مغالبة فهذا إلقاء للتهلكة لا قتال، أو المراد أنا لا نحسن القتال ولا نقدر عليه لأن علم الله بفعله الاختياري من لوازم القدرة عليه فعبر بنفيه عن نفيها، والدغل أصل معناه الاختفاء، ثم استعمل للفساد وهو المراد. قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ} لانخزالهم الخ الانخزال بمعنى الانقطاع، ويومئدّ أصله يوم إذ قالوا لو نعلم قتالاً أي وقت قولهم هذا كانوا أقرب منهم للكفر قبل ذلك لظهور أماراته، قيل الظروف كلها متعلقة باً قرب لما فيها من الاتساع لكن تعلق الكفر باعتبار الزيادة وتعلق الإيمان من حيث المفضولية كأنه قيل قربهم من الكفر يزيد على قربهم من الإيمان وصلة القرب تكون من والى تقول قرب منه وإليه ولا تقول له فقيل اللام بمعنى إلى.
(أقول (يعني أنه لا يتعلق حر فاجر أو ظرفان بمعنى متعلق واحد إلا في ثلاث صور أن
يتعلق أحدهما به مطلقا، ثم يتعلق به الآخر بعد تقييده بالأوّل كما مر تحقيقه في كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا وأن يكون الثاني تابعا للأوّل ببدلية ونحوها أو يكون المتعلق أفعل تفضيل لتضمنه الفاضل والمفضول الذي يجعله بمنزلة تعدد المتعلق كما في المقيد والمطلق فاحفظه وقول أبي البقاء: وغيره جاز أن يعمل أقرب فيهما لأنهما يشبهان الظرف في هذا بسرا أطيب منه رطبا إشارة إلى أنه كثر في الظرف التغاير الاعتباري فحمل هذا عليه، فلا يرد عليه أن ظاهره أنّ المسوغ لتعلقهما بعامل واحد شبههما بالظروف وليس كذلك وفي الدر المصون إنّ القرب الذي هو ضد البعد يتعدى بثلاثة حروف اللام والى ومن فإذا قلت زيد أقرب من العلم من عمرو فمن الأولى للتعدية الأصلية والثانية الجارة للمفضول فلا حاجة إلى أن اللام بمعنى إلى اص.
فما ذكره النحرير مردود، وقيل: إن أقرب هنا من القرب بفتح الراء وهو طلب الماء،
ومنه القارب لسفينته وليلة القرب أي الورود، والمعنى هم أطلب للكفر وهو يتعدى باللام. قوله:) وقيل هم لأهل الكفر الخ) يعني أنه على تقدير

الصفحة 78