كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

قوله: (وفيه مبالغات في الوعيد) أي في نقول ذوقوا عذإب الحريق بذكر العذاب والحريق والذوق المنبئ عن اليأس كما مرّ، والقول للتشفي المنبئ عن كمال الغيظ والغضب، وقيل في قوله: {لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ} إلى هنا لأنّ السماع كناية عن العقاب ال! ظيم وجعل ما قالوه عديلا لقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحفظه بالكتابة واسناده لذاته وتأكيده بالسين. قوله: (والذوق إدراك الطعوم الخ) قال الراغب: الذوق وجود الطعم بالفم وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر فإنه يقال له أكل يقال فلان ذاق كذا وأنا أكلته أي خبرته أكثر مما خبره اهـ ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات واستعمل في العذاب الشديد لأنّ الذوق يكون لأجل اكل فهو المبالغة فيه أن معناه إن ما أنتم فيه من العذاب والهوان يعقبه ما هو أشد وأدهى، ثم ذكر المصنف رحمه الله مناسبة ذكره هنا بأنه نشا من حب المال الذي أعظم مصارفه وأدومها المأكل مع تناسب التوسع في الذوق والأيدي. قوله: (إشارة إلى العذاب الخ (أي ذلك العقاب والعذاب المحقق حتى كأنه محسوس بسبب أعمالكم التي قدّمتموها وبسبب عدله المقتضي له، والإتيان بصيغة المبالغة سيأتي تحقيقه في موضع آخر وتقديم الأيدي عملها لأنّ من يعمل شيئا يقدّمه، فجعله في الكشاف عبارة عن جميع الأعمال التي أكثرها أو كثير منها يزاول باليد على طريق التغليب فيما قدمت بلا تجوّز في اليد، والمصنف رحمه الله جعل التجوز فيها من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مد ارجل العمل عليه، وبعض الناس لم يعرفه ففسر بما رأينا تركه خيراً من ذكره قيل، ولقوله: ظلام للعبيد توجيه آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله يدرك بحدة بصر البلاغة، وهو الإشارة إلى أنهم استحقوا العذاب بحيث لو لم يعذبهم كان كالمانع لحقهم وأورد عليه أنه مخالف للمذهب الحق من أنه المالك الحقيقي،
وتصرّف المالك في ملكه كيف يشاء فله أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي، ولا ظلم في أفعاله كيفما كانت إذ هو الفعال لما يرد، وقد فسروا العدل بأنه لا يقبح له فعل فجعلوه صفة سلبية، والجواب أن ما ذكروه من أنّ إثابة العاصي وعقاب المطيع لا تنافي ما ذكر يعني عقلاً وأمّا كونها تنافي الحكمة والعدل سمعاً فلا خلاف فيه قال في المسايرة وقد نص تعالى على قبحه حيث فال: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [سورة الجاثية، الآية: 21] فجعله تعالى سيئا وكلامهم في التجويز وعدمه أمّا الوقوع فمقطوع بعدمه اتفاقاً غير أنه عند الأشاعرة للوعد بخلافه وعند غيرهم لذلك وقبح خلافه عقلا فتأمّل. قوله: (بأنّ لا تؤمن لرسول الخ) الباء في قوله أن يقرّب بقربان أي يذبح ذبيحة إمّا زائدة أو لتضمنه معنى يأتي والا فهو متعد بنفسه، وقوله: أي تحيله بيان لأنّ كل النار مجاز عن إحالته إلى طبعها إمّا استعارة على التشبيه أو مجاز مرسل لأنّ المأكول يستحيل أخلاطاً تناسب أخلاط اكل وكذا المحرق بالنار ينقلب دخاناً ونارا إمّا جميعه أو بعضه، وقوله شرع بشين معجمة وراء وعين مهملتين بوزن حسن معناه سواء، ص قال في شرح الفصيح قال ابن وستوربه كأنه جمع شارع كخادم وخدم أي كلكم يشرع فيه شروعا واحداً، ويستوي فيه المذكر والمفرد وغيره وأجاز كراع والقزار تسكين رائه وأنكره يعقوب في الإصلاح وقال: إنما شرع بمعنى حسب. قوله: (تكذيب وإلزام الخ) التكذيب من قوله بالبينات أي المعجزات فإن الرسل السابقة عليهم الصلاة والسلام لم تقتصر معجزتهم على ما ذكرتم كما ادّعيتم ومنه يعلم الإلزام أيضاً أو الإلزام بأنه لو كان التصديق بتلك المعجزة دون غيرها لما جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ببينات أخر ونقل عن السدّي رحمه الله أن هذا الشرط جاء في التوراة هكذا من جاء يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا عليهما الصلاة والسلام، وكانت هذه العادة جاربة إلى مبعث المسيح ع! هـ وقوله: في
معجزات أخر أي معها والظرفية إشارة لكثرتها. قوله: (ثسلية للرسول يكني! الخ) إشارة إلى أنّ قوله فقد كذب الخ جواب للشرط مؤوّل بلازمه أي فلا تحزن وتسل، وتيل: إنه لا حاجة إلى تأويله إذ المعنى أن يكذبوك فتكذيبك تكذيب للرسل قبلك لأنهم أخبروا

الصفحة 85