كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 3)

كان لكم، وفي مثل فئتكم الكافرة إشارة إلى أن الصفة للفئة الكافرة المذكورة بطريق الغيبة لا للمخاطبين بترونهم لئلا يلزم الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وخطاب ترونهم للمخاطبين بقوله لكم لا للفئة الكافرة لئلا يلزم الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وفئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة في موضع الخبر أي هما فثة تقاتل، وأخرى كافرة أو البدل من فثتين أو المفعول أو الحال فليست عبارة عن المخاطبين في لكم بحيث يكون مقتضى الظاهر الخطاب ليلزم الالتفات فلا يلتفت إلى قول من زعم أنّ فيه ثلاث التفاتات وهذا مما ردّ به ما مرّ، وقد تبع فيه المدقق في الكشف وما ذكر من الالتفات سبقه إليه صاحب الانتصاف وتابعه الطيبي وسنبين لك حقيقته وقوله: فلما لاقوهم بالقاف من الملاقاة وروي بالفاء المشددة أي خالطوهم من الالتفاف في القتال، وهو مخالطة الجيشين كما قيل ما تصافوا حتى تلافوا وقوله وذلك كان بعدما قللهم إشارة إلى دفع ما قيل: إنه يناقض قوله في الأنفال ويقللكم في أعينهم بأنهم قللوا أوّلاً في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين. قوله: (أو يرى المؤمنون المشركين الخ (هذا احتمال آخر ولا يرد عليه السؤال السابق في تعارض الآيتين لأنهم كانوا ثلاثة أمثالهم فاراءتهم مثليهم تقليل لهم في الواقع لما قرّر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [سورة الأنفال، الآية: 6] بعدما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} ولهذا أيضا وصف ضعفهم بالقلة لأنه قليل بالإضافة إلى عشرة الأضعاف، فإن قلت: إنه قال في الكشاف بعدما ذكر هذا وقراءة نافع لا تساعد عليه فكيف يقول المصنف رحمه الله تعالى، ويؤيده قراءة نافع قلت أجيب عن هذا بأن الزمخشريّ لما تعين عنده أنّ خطاب قد كان لكم للمشركين كانت قراءة الخطاب في ترونهم على تقدير أنهم المسلمون تفكيكا للنظم فلذا قال إنها غير مساعدة، وأمّا المصنف رحمه الله تعالى فلما جوّز كون الخطاب الأوّل للمؤمنين لم يجعلها غير مساعدة وهذا لا يقتضي أنها مؤيدة خصوصا وقد أخر ذلك الاحتمال ولم يبين أنه مراد على هدّا التوجيه أتول الظاهر أنه يريد أن الخطاب الواقع في آية الوعد المتقدمة للمؤمنين يقتضي أنه هنا إنجاز للوعد فيكون معنى قوله لكم آية علامة على ما وعدتم به فاثبتوا، فالخطاب الأوّل للمؤمنين على أنه ابتداء خطاب في معرض الامتنان عليهم بما سبق الوعد به وهذا معنى لطيف ولا يضرّ كونه خلاف الظاهر لأنه يقتضي مرجوحيته وقد أشار إليه بتأخيره، وفي الانتصاف إنما قال الزمخشرقي ذلك لأن الخطاب على قراءة نافع يكون للمسلمين أي ترونهم يا مسلمين وبكون ضمير المثلين أيضاً للمسلمين، وقد جاء على لفظ الغيبة فيلزم الخروج في جملة واحدة من الحضور إلى الغيبة
والالتفات، وان كان شائعا فصيحا إلا أنه إنما يأتي في الأغلب في جملتين وقد جاء ههنا الكلام جملة واحدة لأنّ مثليهم مفعول ثان للرؤية ولو قال القائل. ظننتك يقوم على لفظ الغيبة بعد الخطاب لم يكن بذاك فهذا هو الوجه الذي باعد الزمخشريّ من قراءة نافع ومن هذا التأويل إلا أنه يلزم مثله على أحد وجهيه المتقدمين آنفاً لأنه قال: معناه على قراءة نافع ترون يا مشركون المسلمين مثلى عددهم أو مثلى فئتكم الكافرة فعلى هذا الوجه الثاني يلزم الخروج من الخطاب إلى الغيبة في الجملة بعينها كما التزمه هو على ذلك الوجه (وههنا بحث) وهو أنه إذا عبر عن جماعة بطريق من الطرق الثلاثة، ثم عبر عن بعضه بطريق آخر يخالفه هل يعدّ هذا من الالتفات أم لا الظاهر أنه لا يعدّ منه لكن وقع في كلام بعضهم ما يقتضي أنه منه فلعل من ذهب إلى الالتفات هنا بناء على هذا فلا تعارض بين مسلك الانتصاف والطيبي، والعلامة وبين ما ذهب إليه في الكشف وشرح النحرير. قوله: (وقرئ بهما) أي بالياء والتاء على البناء للمفعول، قيل: لم يجعله بمعنى الظن كما هو الشائع في الإراءة لأنه يأباه رأي العين لكن الأولى حمله عليه وجعل الظن بمعنى اليقين ولا حاجة إليه لأنه مصدر تشبيهيّ وقد اعترف به هذا القائل. قوله: (والنصب على الاختصاص) اعترض عليه أبو حيان- رحمه الله- بأنّ المنصوب على الاختصاص

الصفحة 9