كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

مع إمكان حمله مع الوجه الصحيح الفصيح، ولك أن تقول لا يلزم من ضعفه في ربط الصلة ابتداء ضعفه فيما عطف عليها كما في رب شاة وسخلتها، وأمّا ما قيل على ما
ذكرنا من الجواب الصواب لا يحتاج إلى الرابط فعجيب لأنه لم يقل أحد من النحاة إنّ المعطوف على الصلة، بثم يجوز خلوه عن الرابط وغاية ما ذكره أنه نكتة للربط بالاسم وهو ظاهر. قوله: (ما لا يقدر على شيء منه) قيل تبع فيه الكشاف، والظاهر حذف لفظ منه، ولم يقفوا على وجهه وهو في كلام الزمخشري ظاهر لأن المانع من التسوية عدم القدرة على شيء مما لا يقدر عليه غير الله لا عدم القدرة على الخلق مطلقاً إذ أفعال العباد مخلوقة لهم عند المعتزلة والمصنف رحمه الله تبعه في ذلك ليكون نكتة على جميع المذاهب لا غفلة عن مراده. قوله: (ومعنى ثم استبعاد عدولهم الخ) قال ابن عطية رحمه الله، ثم دالة على قبح فعل الذين كفروا لأنّ المعنى أنّ خلقه السماوات قد تقرّر وآياته قد سطعت وأنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله عدلوا بربهم فهذا كما تقول أعطيتك وأحسنت إليك ثم تشتمني أو بعد وضوج ذلك كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو ولم يلزم التوبيخ كلزومه بثم، قال أبو حيان: هذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أنّ ثم للتوبيخ، والزمخشريّ من أنها للاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول ثم ولا أعلم أحداً من النحويين ذكر ذلك بل ثم هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة اسمية على اسمية أخرى فأخبر تعالى بأنّ الحمد له ونبه على العلة المقتضية للحمد من جميع الناس، وهي خلق السماوات والأرض والظلمات والنور، ثم أخبر أنّ الكافرين يعدلون فلا يحمدونه، وقيل الظاهر أنه لم يرد أنه موضوع للاستبعاد بل أراد أنه مستعمل فيه بطريق المجاز بمعونة المقام، وذلك لأنّ كل متباعد مستبعد ومتراخ عن خلافه فاندفع ما قال أبو حيان إنه لم يوضع لذلك بل هو مستفاد من سياق الكلام، وقد يجاب عنه بأنه أراد التراخي الرتبي وفيه أنّ مقتضى ذلك كون مدخوله أعلى مرتبة مما عطف به عليه وليس الأمر هنا كذلك أقول قوله متراخ ومتباعد في الجواب لا معنى له إلا أنّ بينهما بعد معنوقي وهو التراخي الرتبي بعينه فالجوأبان واحد، وما أورده وارد عليه، ثم ما أنكره من كون الأوّل أعلى رتبة لا وجه له، وقد صرّح ابن عطية رحمه الله بخلافه فيما سمعت لأنّ الأعلى في مثاله المعطوف عليه ونبه عليه بعض شراح الكشاف في غير هذا المحل وإذا شبه البون المعنوي بالبعد الزماني وعد هذا علاقة فما الفرق بينهما ومراد الزمخشرقي التراخي الرتبي وقال النحرير رحمه الله إنما لم يحمل ثم على التراخي مع استقامته لكون الاستبعاد أوفق بالمقام لأنّ التراخي الزماني معلوم فيه فلا فائدة في ذكره ومنه علمت أنّ الصواب أن يعذ كناية لا مجازاً لإمكان المعنى الحقيقي فيه وقوله استبعاد أن يعدلوا به ربما يشعر بأنه على الوجه الأوّل فقط ومراده جريانه فيهما لكته للاختصار اقتصر على أحدهما ليعلم الآخر بالمقايسة عليه، ثم قال: فإن قلت يرد على الفاضل وأبي حيان أن كفرهم وعدولهم لا يتراخى عن كونه حقيقياً بالحمد لاستمراره فإن جعل للتراخي في الأخبار كما يشعر به كلامه، ورد أنه لا تراخي بين الإخبارين كما في شرح التسهيل فلا بد من اعتبار التراخي الرتبي، والرجوع إلى ما قاله الزمخشريّ قلت كل ممتد يصح فيه التراخي باعتبار
أوّله والفور باعتبار آخره كما حققه النحاة. قوله: (والباء على الآوّل الخ) قد مز اعتراض الفاضل المحقق بأن الفرق المذكور تخصيص من غير مخصص، وقد مرّ دفعه بنحو ما قاله بعض المتأخرين الفضلاء وجه التخصيص! رعاية المناسبة بين ما عطف، بثم الاستبعادية وبين ما عطف عليه فإنه إذا قيل، ثم الذين كفروا به يعرضون عن حمده فيكفرون نعمته فإنّ من استحق جميع المحامد من قبل العباد فالإعراض عن حمده في غاية الاستبعاد، ولا يناسب حينئذ أن يقال ثم الذين كفروا يسوّون به غيره إذ لم يسبق صريحا ما يفيد امتناع التسوية بينه وبين غيره حتى يفيد استبعاد التسوية وكذا إذا قيل إنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه فالمناسب في الاستبعاد أن يقال، ثم الذين كفروا يسوّون به غيره الذي لا يقدر على شيء منه، لا أن يقال ثم الذين كفروا به يعرضون عن حمده انتهى، ولا يخفى اتساق أنّ من استحق جميع المحامد لأنعامه بالنعم الجسام

الصفحة 10