كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

ولا يجوز الاعمال بدون هذه الضرورة، ولما لم يوجد عاملا في المفعول الأوّل مع كثرة وروده في الكلام قال أبو عليّ: إنه منصوب بفعل دل عليه اسم الفاعل فنحو معطي زيد درهما كأنه لما قيل زيد قيل ما أعطي فقال: درهماً أي أعطاه درهما كقوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
فيسلم من الضرورة المذكورة، وردّه الأندلسيّ بأنه لا يستقيم ذلك في نحو ظانّ زيد أمس
قائما إذ لا يقال هذا ظانّ زيد أمس ظنه قائما للزوم حذف أحد مفعولي ظانّ، وهو لا يجوز، وأجيب بأنّ للفارسي أن يرتكب جوازه للقرينة وان كان قليلا في أفعال القلوب، وضعف مختار السيرافي بقولهم هذا ضارب زيد أء. س وعمرا إذ لا اضطرار هنا إلى نصب عمراً لأنّ حمل التابع على إعراب المتبوع الظاهر أولي- ولا استدلال للكسائيّ في قوله تعالى: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ الْوَصِيدِ} [سورة الكهف، الآية: 18] لأنه حكاية للحال كما قرّره الرضي وغيره، وقيل عليه من لم يجوّز أعماله بمعنى الماضي كيف يسلم صحة الأمثلة المذكورة حتى يستدل بها على جواز أعماله فلا حاجة إلى أن يقال إعماله ضروريّ في تلك الأمثلة، ولا أن يقال انتصابه فيها بفعل مدلول عليه بها حتى يرد عليه عدم استقامته في المثال الأخير، وان جاز الاعتذار عنه، وكيف يسلم كون انتصاب سكنا بجاعل حتى يستدلّ به عليه بل يجعله بفعل دلّ عليه جاعل كما ذكره المصنف رحمه الله.
(قلت) القائل بجواز أعماله بمعنى الماضي تمسك بما ذكر، وقال: إنّ التقدير واذعاء حكاية الحال خلاف الأصل ومثله يكفي في الأدلة النحوية، فكيف ينكر عليه، وقوله: (وبدل عليه) أي على كونه بمعنى الماضي وإنما حمله على المعنى ليتناسبا. قوله: (أو به) أي باسيم الفاعل المذكور ولا بفعل مقدّر وهذا مختار الزمخشري، واعترض عليه بأنه ذكر أن جاعلا دال على جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة ومع ذلك جعله عاملا في المضاف إليه ناصبا حيث جوّز عطف والشمس والقمر في قراءة النصب على محل الليل، وهو صريح في أنّ اسم الفاعل إذا أريد به الاستمرار كان عاملاَ فتكون إضافته غير حقيقية، وقد ذكر أنها حقيقية في مالك يوم الدين فبين كلاميه تناف وأجيب بأنّ الزمان المستمرّ يشتمل على الماضي والحال والاستقبال، فإن نظر إلى المضيّ لم يعمل وكانت إضافته حقيقية وإن لم ينظر إليه كان عاملاً واضافته غير حقيقية وكل واحد من الاعتبارين متعين باقتضاء المقام وقرائن الأحوال، وأجيب أيضاً بأنه لا منافاة بين أن يكون المستمرّ عاملا واضافته حقيقية لأنه لما استمرّ احتوى على الماضي وغيره فروعي الجهتان معاً فجعلت الإضافة حقيقية نظرا إلى الجهة الأولى واسم الفاعل عاملا نظرا إلى الثانية، وليس بشيء لأنّ مداركون إضافته حقيقية أو لفظية على العمل وعدمه، ويمكن أن يقال الاستمرار في مالك يوم الدين ثبوتي وفي جاعل الليل تجذديّ ومتعاقب إفراده واضافته لفظية لورود المضارع بمعناه دون الأوّل كما قرّره الشريف قدس سرّه، وقد مرّ فيه فوائد ومباحث في سورة الفاتحة، ولك أن تؤيد هذا الأخير بل تذعي تعينه بأن ملك يوم الدين لم يقع فكيف يقال إنه مستمرّ إلا بمعنى أنه ثابت بقطع النظر عن معنى التجدد كما في الصفة المشبهة والا كان الاستمرار فيه غير حقيقيّ وهو محتاج إلى التكلف، فتأمّل فإن قلت إنه ذكر في المفصل أنّ الصفة تدل على معنى ثابت واسم الفاعل والمفعول يجريان مجراها في ذلك فيقال ضامر البطن وحاملة الوشاج ومعمور الدار ومؤدب الخدام، وقد ذكره غيره من النحاة، فإن أريد الاستمرار الثبوتي يكون صفة مشبهة واشترط لعمله ما يشترط لها، فلا يصح الحمل عليه هنا، ولذا قال أبو حيان: إذا كان بمعنى الاستمرار لا يعمل عمل اسم الفاعل، وليس لمجروره محل كما صرّحوا به، قلت هو لا يجري مجراها إلا إذا اشتهر بذلك وشاع استعماله لذلك حتى يلحق بالصفة المشبهة، وهذا ليس كذلك ولم يتعرّضوا هنا لحكاية الحال لأنّ كون
الليل محل الهدّ وليس مما يستغرب، والحكاية تختص به ويصح أن يكون جعل بمعنى أحدث المتعدي لواحد وسكنا حال. قوله: (ويشهد له الخ) لأنّ العطف متعين فيكون في وجه النصب كذلك، وليس المراد أنها تدل على تعلقهما من حيث المعنى بالليل والنهار كما قيل، وقوله: (بجعل مقدّرا (وهو الناصب لسكنا أو آخر والأوّل أولى. قوله: (أي مجعولان حسباناً (أو محسوبان حسباناً، ثم إن المصنف رحمه الله فسر الحسبان في سورة

الصفحة 100