كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

لا يعلم ولما كان علم الإنسان بنفسه أقرب إليه من علم العلويات نفي عنه الفقه دون العلم، وهذا عكس ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للكشاف. قوله: (من السحاب) يعني المراد بالسماء لأنها كل ما علا، أو هو مجاز أو بتقذير مضاف كجانب أو أنه ينزل من السماء حقيقة إلى السحاب، ومنه إلى الأرض وتلوين الخطاب هنا الالتفات من الغيب إلى التكلم وعبر به إشارة إلى نكتته العامّة، والخاصة إنه لما ذكر فيحا مضى ما ينبهك على أنه الخالق اقتضى ذلك التوجه إليه حتى يخاطب. قوله: (نبت كل صنف) أي النبات بمعنى النابت وشيء ليس بعاتم بل المراد به الصنف من النبات إذ لا معنى لإضافة النبات إلى شيء ليس منه وقوله المفتنة بالفاء والتاء والنون افتعال من الفتن، وفي نسخة مفتنة بنونين أي على فنون وأنواع وقال ابن الجوزي: تقول لذي الفنون من العلوم مفتن، وقد افتن في الأمر أخذ من كل فن والعامّة تقول متفنن والمتفنن هو الضعيف وقد تفنن ضعف أخذ من الفنن، وهو مالان من الغصون. قوله:) من النبات أو الماء (المراد بالنبات أصوله والخضر شعبه وأوراقه وجملة تخرج صفة خضرا أو مستأنفة ومتراكبا معناه بعضه فوق بعض، وقد أخرج تعالى من الماء الحلو الأبيض في رأي العين أصنافا من النبات والثمار مختلفة الطعوم والألوان واليه نظر القائل يصف المطر:
يمدعلى الآفاق بيض خيوطه فينسج منهاللثرى حلة خضرا
فلله درّ التنزيل كم حوى معنى بديعا لو مرّ على خاطر الشعر قطع نفسه تقطيعاً، وقوله أخضر وخضر كأعور وعور إشارة إلى اختصاصه بالألوان والعيوب وما ألحق بهما. قوله: (جمع قنو (وهو ومثناه سواء لا يفرق بينهما إلا الإعراب، ولم يأت مفرد يستوي مثناه وجمعه إلا ثلاثة أسماء صنو وصنوان وقنو وقنوان ورئد ورئدان بمعنى مثل قاله ابن خالويه، وحكى سيبويه شقد وشقدان وحش وحشان للبستان نقله في المزهر. قيل وجعل من النخل الخ مبتدأ
وخبراً ليس كما ينبغي لأن المقصود تعديد آيات قدرة الله ولا يستقاد ذلك إلا بنسبة جعل القنوان إليه تعالى، وهذا التركيب لا يدل عليه وسيأتي جوابه في قوله: {وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ} ومن طلعها على البدلية بدل بعض من كل وقوله فعلان بالفتح ليس من أبنية الجمع بل من أبنية المفردات كقبان وهو شرط اسم الجمع كما قرّره النحاة، وقوله: قريبة الخ لما كانت النخل شاهقة أشار إلى تأويله وهو حقيقة فيهما لكنه اقتصر في الوجه الثاني على البعض لما ذكره ويحتمل أن المراد سهولة الوصول إلى ثمارها بالهز والسقوط مجازاً. قوله: الدلالتها الخ) الزمخشري جعلهما وجهين أي إما أن يقدر على طريق الاكتفاء كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [سورة النحل، الآية: 81] أو لا يقدر اقتصاراً على ما هو أوفر نعمة وكلام المصنف رحمه الله يحتمله ويحتمل أنه جعلهما وجهاً واحداً وهو أقرب وأوجه. قوله: (عطف على نبات) النبات على ما قاله الراغب النابتات الخارجة من الأرض سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم لكنه اختص في المتعارف بما لا ساق له بل اختص عند العامّة بما تأكله الحيوانات، وعليه قوله تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا} [سررة النبأ، الآية: 15] وجعله الواحدي على خضرا، وقال الطيبي: الأظهر أن يكون عطفا على حباً لأنّ قوله نبات كل شيء مفصل لاشتماله على كل صنف من أصناف النامي كأنه قال: فأخرجنا بالنامي نبات كل شيء ينبت كل صنف من أصناف النامي، والنامي الحب والنوى وشبههما وقوله فأخرجنا منه خضراً الخ تفصيل لذلك النبات أي أخرجنا منه خضرا بسبب الماء فيكون بدلاً من فأخرجنا الأوّل بدل اشتمال ومن هاهنا يقع التفضيل فبعض يخرج منه السنابل ذات حبوب متكاثرة، وبعض يخرج منه ذات فنوان دانية، وبعض آخر جنات معروشات الخ وهذا مبنيّ على أن المراد بالنبات المعنى العاتم، وحينئذ لا يحسن عطفه عليه لأنه داخل فيه فالوجه ما ذكرنا فإن أريد ما لا ساق له تعين عطفه عليه لأنه داخل فيه وتعين أن يقدر لقوله من النخل فعل آخر وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وما قيل إنه لم يجعله معطوفا على خضراً لا! الأشجار ليست كالخضراوات في الخروج من النبات لأن الخارج أولاً يكبر، ويصير شجر إلا أنه يخرج نبات، ثم يخرج منه شيء يصير شجرأ ولأن كثرة صنوف المسببات واقتنانها مع وحدة

الصفحة 102