كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

تقدير أن يكونا مفعولين لذلك (قلت) محصل ما في
الإيضاح أن الفعل المتعذي إلى مفعولين لا اعتناء بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر فإذا قدّم أحدهما على الآخر لم يصح تعليل تقديمه بالعناية، وقد أجابوا عنه بأنّ الاشتراك بين الشيئين في مطلق العناية والاهتمام لا ينافي كون أحدهما أهمّ من الآخر بسبب خارج ككون الله نصب عين المؤمن هنا مع أنه يناقض ما ذكره فيما مرّ من أنّ تقديم شركاء على الجن على القول بأنهما مفعولاً جعلوا لاستعظام أن يتخذ شريك من كان ملكا أو جنيا أو غيرهما، ويناقض أيضا ما ذكره في بحث تقديم بعض معمولات الفعل على بعض كتقديم المفعول الأوّل على الثاني في باب أعطيت وقد دفع التناقض المذكور بأن إنكار التعليل بالعلة الحاصلة على تقدير خاص لا ينافي صحة التعليل بعلة أخرى على تقدير آخر، ثم إنه رذ جعلها على الوجهين بأنه على الثاني فقط، وعلى تقدير الظرف لغواً سواء تعلقا بشركاء أو بجعلوا، وذلك لأن حق الظرف اللغو أن يتأخر عن المفعول، وأما على تقدير اللغوية وجعل لله شركاء مفعولي جعلوا فيكون تقديم الخبر الظرف على المبتدأ النكرة جاريا على الأصل غير معلل بالاهتمام والاستعظام، وأشار في شرح المفتاح الشريفي إلى أنّ تقديمه لأنه محز الإنكار ولأن المفعول الأوّل منكر يستحق التأخر فلا تنافي بين التنكير واعتبار التقديم لنكتة أخرى، ثم قال: إن السكاكيّ لم يرض! بما في الكشاف لأنّ المقصود الذي سيق له الكلام إنكار اتخاذ الشريك لله مطلقا جنيا كان أو غيره، واستفادة هذا المعنى من تقديم دلّه على الجن لا يخلو من ضعف لأنّ التقديم إنما يدل بحسب المقام على أنّ المقدم أدخل في الإنكار لا على أنّ المؤخر لا دخل له في الإنكار أصلا، ولا يخفى أنّ المقدم مصب الإنكار ومحزه كما قرّروه في أنه يجب أن يلي همزة الإنكار ليفيد ذلك فإذا قلت أفلسا أعطيته كان الإنكار لخسة الفلس لا للعطاء، وهذا مثله على أنا نقول هو بخصوصه لا دخل له في الإنكار بل باعتبار كونه شريكاً ثم إنّ السكاكي جعل سبب التقديم كون المقدم في نفسه نصب العين، وكون كل واحد من مفعولي جعل حاضراً في الذهن وقت الإنكار لا يقتضي كون كل واحد منهما في نفسه نصب العين باعتبار أمر آخر مقتض لتقديمه، والسكاكي قد صرّح بهذا القيد أعني في نفسه، والمعترض! غفل عنه وعن فائدته. قوله:) والجن بدل من شركاء (قيل الأولى أن ينصب بمحذوف جوابا عن سؤال، كأنه قيل من جعلوه شركاء فقيل الجن، وذلك لأنه لو كان بدلاً لكان التقدير وجعلوا لله الجن، وليس له كبير معنى، وأجيب بأنّ المبدل منه! يس في حكم الساقط بالكلية. قوله: (وقد علموا أن الله خالقهم (اختار كون الضمير راجعا إلى الجاعلين لئلا يلزم تشتت الضمائر لو ارجع إلى الجن، وان رجح بأن جعل المخلوق كالخالق أفحش من جعل من لا يخلق كمن يخلق، وبأن كونهم مخلوقين معلوم من قوله: {وَالَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [سورة الأنعام، الآية: 98]
وقدر قد لتصحيح لفظ الحال وعلموا لمعناه لأنه المقارن لجعلهم ولأنه المقتضى للإنكار فتأمل، وقوله: (دون الجن) نفي الخالقية عنهم على الثاني ظاهر، لأنّ الخالق لا يكون مخلوقا، وعلى الأوّل معلوم من إنكار تشريكهم المارّ، وقيل: إنّ الشيء الواحد لا يكون مخلوقا لخالقين، فقوله: وخلقهم في قوّة أن يقال دون الجن، ولا يضره جواز الاجتماع في الخلق بطريق الاشتراك لأنّ المراد بالخلق في قوله وخلقهم ما هو بالاستقلال ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقوله: (أي وجعلوا الخ) إشارة إلى أنّ هذا على تقدير أن لله شركاء مفعولاً جعل وهو ظاهر، وقيل إنه على هذا يكون جعل متعذياً إلى مفعول واحد وإنه كان عليه أن يذكره وليس بشيء، وقوله: أي زوروا في الكشاف والمزوّر محرّف مغير للحق إلى الباطل. قوله: (بنير علم) ذنم لهم بأنهم يقولون بمجرّد الرأي والهوى، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز أن ينسب إليه تعالى إلا ما جزم به وقام عليه الدليل، وقيل هو كناية عن نفي ما قالوا فإن ما لا أصل له لا يكون معلوما ولا يقام عليه دليل ولا حاجة إليه لأنّ نفيه معلوم من جعله اختلاقا وافتراء ومن قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} وقوله: فقالت اليهود فيكون المراد بالبنين ما فوق الواحد أو أنّ من يجوّز الواحد يجوّز الجمع، وأفرد قوله شريكا أو ولداً لأنّ نفي الواحد يدلّ على نفي الجنس، ولأنه أليق بالتنزيه. قوله: (ثبت

الصفحة 105