كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

المناقشة في مقدماتها. قوله: (إشارة إلى الموصوف الخ الأن اسم الإشارة كإعادة الموصوف بصفاته المذكورة كما مرّ تحقيقه، وقوله: ويجوز الخ يعني يجوز أن يكون الله بدلاً من اسم الإشارة وربكم صفته وما بعده خبر، ولا يجوز في الله أن يكون صفة فإن أراد مع ما بعده لا يصح أيضا لأنه جملة والجمل لا يوصف بها إلا النكرات أو المعرّف بأل الجنسية، وهذا ليس كذلك وكذا خالق كل شيء يصح أن يكون بدلاً من الضمير وذكر فيما سبق للاستدلال على نفي الولد وهنا لإثبات استحقاق العبادة فلا تكرار، واليه يشير كلام المصنف رحمه الله تعالى وقد غفل عنه بعضهم مع ظهوره وأفاد بعص المتأخرين هنا إنه قيل هنا ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وفي سورة المؤمن: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [سررة غافر، الآية: 62] فإن قيل لم قدم هاهنا قوله: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} على قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وعكس في سورة المؤمن قلنا لأنّ هذه الآية جاءت بعد قوله: {جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء} الخ فلما قال: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ} أتى بعده بما يدفع الشركة فقال: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} ثم قال: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وهناك جاء بعد قوله: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة غافر، الآية: 57] فكان الكلام على تثبيت خلق الناس وتقريره لا على نفي الشريك عته كما كان في الآية الأولى فكان تقديم خالق كل شيء هناك أولى، وقيل معناه يجوز أن يكون البعض بدلاً من اسم الإشارة لأنّ العلم أخص من اسم الإشارة عند الجمهور فلا يجوز أن يكون صفة له لأن الموصوف لا بد أن يكون أخص أو مساوياً كما حقق في النحو، وأما كونه صفة فقيل إنه على مذهب ابن السرّاج فإنه
ذهب إلى أن أعرف المعارف اسم الإشارة ثم المضمر ثم العلم ثم ذو اللام، ويحتمل أن يكون الله صفة ذلكم على ما مرّ من أنه صفة، وقد مز ما فيه. قوله: (حكم مسبب عن مضمونها الخ) قيل العبادة المأمور بها هي نهاية الخضوع وهي لا تتأتى مع الشريك فلذا استغنى عن أن يقال فلا تعبدوا إلا إياه وذكره غيره من المحشين، وقال إنه من سوانح الوقت وهذا يقدج فيما ذكروه من أنّ تقديم المفعول في إياك نعبد يعتمد الاختصاص إذ على هذا يفهم من مجرّد العبادة ولا حاجة فيه إلى تقديم المفعول، ويرذه أن مفهوم العبادة لا يقتضي الاختصاص! إلا من الدليل الخارجيّ على أن إفادة الحصر بوجهين لا مانع منه كما في لله الحمد فإن التقديم ولام الاختصاص يدلان عليه، وكذا التقديم مع التصريح بأداته كما صرّحوا به. قوله: (فكلوها إليه الخ) الأمر بإيكالهم إليه لازم لمفهوم هذه لأنه إذا تولى جميع الأمور لزم أن لا يوكل إلى غيره ممن لا يتولاها، والتوسل بالعبادة مأخوذ من جعل وهو على كل شيء وكيل حالاً وقيدا للعبادة كما يشهد له الذوق، فما قيل إنه يريد أن فائدة الإخبار بكونه على كل شيء وكيل ذاك لا أنه يفهم ذلك من الوكيل ناشئ من عدم التحقيق، وكذا تفريعه على الرقيب بالمجازاة إشارة إلى أنه كناية عن المجازاة ثم لما وصفه بأنه رقيب عليهم عقبه بقوله لا تدركه الأبصار إشارة إلى أنّ مراقبته ليست كمراقبة غيره، لأن المراقبة تستلزم النظر إليه بحسب الظاهر المتوهم. قوله: (وهي حاسة النظر) المراد بالحاسة القوّة ولذا أنث وتأنيث هي مراعاة للخبر. قوله: (واستدل به المعتزلة الخ) فسر بعضهم الإحاطة بإدراك ذاته وجميع صفاته وفسرها بعضهم بإدراكه بالكنه، وأورد عليه أنه كما لا يدرك كنهه بالبصر لا يدرك بالعقل أيضا فالتخصيص بالأبصار يقتضي تفاوتا بينها وبين العقول مع أنّ الأبصار لا تدرك كنه غيره أيضا وبأنّ التخصيص خلاف الظاهر، ومقتضى المدح الامتناع والأقرب شيء يمكن أن يبصر ولا يبصر لمانع فالحق في الجواب كما دلت عليه الأحاديث أنه لا يرى بأعمال الحاسة إنما يرى بقوّة يخلقها بمحض قدرته في العبد ثم إنهم تمسكوا بالآية تارة على الامتناع، لأنّ ما يمدح بعدمه يكون وجوده نقصاً يجب تنزيه الله عنه وتارة على عدم الوقوع، والمصنف رحمه الله اقتصر على إيراد الأوّل وأجاب بما يبطل عدم الوقوع لأنه يلزم منه إبطال الامتناع، وقوله ليس الإدراك مطلق الرؤية بل على وجه الإحاطة كما أشار إليه أوّلاً، وتوله: (ولا النفي في الآية عامّاً (لأنّ القضية مطلقة لم تقيد بكلية
ولا دوام، ولما كان عموم الأوقات وعموم الأحوال متلازمين لم نجعلهما جوابين. قوله:) فإنه في قوّة قولنا لا كل بصر الخ (يعني الألف واللام للاستغراق

الصفحة 107