كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

لا يناسبه أن تكفروا نعمته، ومن خلق هذه المخلوقات العظام لا يسوي به غيره كما قال تعالى: حكاية عن الكفار {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 97-98] وأيد الاعتراض! الذي اعترض! به النحرير بأنه إذا قيل إنه تعالى مستحق للحمد على هذه النعم الجسام التي لا يقدر عليها أحد، ثم الذين كفروا يعدلون به غيره مما لم يكن منه مثل هذه فيجعلونها آلهة مثله ويثنون عليه بما أثنوا به عليه تعالى كان كلاما صحيحا منتظما، وكذا إذا قيل إنه تعالى خلق ما خلق نعمة لهم مما لا يقدر عليه أحد، ثم هم يعدلون عنه ولا يحمدونه مع أنه مقتضاه ذلك كان كلاما صحيحا منتظما هذا تقرير كلامه، على وفق مرامه، وقد خفي عليه وعلى من قلده ولا يخفى أنه تكلف وتخليط فإن العلامة راعى في وجه الاستبعاد أخذه من المتعاطفين، وهو أدخل في كل من الوجهين وغيره أخذه، مما بعده وما قبله، ولا يخلو من التعقيد لملاحظة قيود كثيرة والاحتياج إلى تقديرها وملاحظتها، ولدّا لم يعرج عليه أحد من شراح الكشاف، وأشار إلى الكشف إلى أن ما جنح إليه الزمخشري ظاهر من حاق النظم، ولولاه لما حسن موقع ثم وما ذكره تكلف يأباه جزالة النظم وسلاسة السبك والحق أحق أن يتبع، ومعنى تسويتهم له تعالى بها في اذعاء الألوهية والعبادة وبعضهم سلك في ردّه مسلكا آخر فقال أنه معطوف على الجملة السابقة الناطقة بما مرّ من موجبات اختصاصه تعالى بالحمد المستدعي لاقتصار العبادة كما حقق في سورة الفاتحة مسوق لإنكار ما عليه الكفرة، واستبعاده من مخالفتهم لمضمونها واجترائهم على ما يقضي ببطلانه بديهة العقل، والمعنى أنه تعالى يختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ذاته وباعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه، ويعدلون به سبحانه أي يسوّون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقا له غير متصف بشيء من مبادي الحمد، وكلمة ثم لاستبعاد الشكر بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية القاضية ببطلانه لا سيما بعد
بيانه بالايات التنزيلية، والموصول عبارة عن طائفة الكفار جرى مجرى الاسم لهم من غير أن يجعل كفرهم بما يجب أن يؤمن به كلاَ أو بعضاً عنواناً للموضوع، فإن ذلك مخل باستبعاد ما أسند إليهم صن الإشراك والباء متعلقه بيعدلون هذا هو الحقيق بجزالة التنزيل، وهذا مبنيّ على أنّ الحمد له دلالة على العبادة كما مرّ أن الزمخشري جعل إياك نعبد بيانا لقوله الحمد دئه وقد أوّله الشراح ثمة وهو لم يرتضه هناك فكأنه نسي ما قدمت يداه دماذا لم يلاحظ فيه ما ذكر لا ينتظم كلامه بوجه من الوجوه وهو من الأوهام الخيالية. قوله:) وصلة يعدلون الخ (لم يقدر ليعدلون في هذا الوجه مفعولاً بخلافه في الوجه الثاني بناء على ما نقل عن الزمخشرقي من أنه قال إنما ترك ذكر المعدول عنه ليقع الإنكار على نفس الفعل الذي هو العدول وأنه مما لا ينبغي أن يخطر ببال، وينبغي أن يجعل الفعل هاهنا كأنه غير متعد فلا يضمر له مفعول البتة وإنما لم يجعل في الوجه الثاني كذلك لأنه لا يحسن إنكار العدل بخلاف إنكار العدول قيل وفيه نظر ظاهر ووجهه أن مجرّد العدول بدون اعتبار متعلقه غير منكر ألا ترى أن العدول عن الباطل لا ينكر فالظاهر أن تذكر هذه النكتة في الوجه الثاني وإن حذفه إنما هو لأجل الفاصلة. قلت هذا وان تراءى في بادئ النظر لكته عند التحقيق ليس بوارد لأنّ العدول وان كان له فردان أحدهما مذموم وهو العدول عن الحق إلى الباطل وممدوج وهو العدول عن الباطل إلى الحق لكن العدول الموصوف به الكفار لا يحتمل الثاني فلتعينه لا يحتاج إلى تقدير متعلق وتنزيله منزلة اللازم أبلغ عند التأمل، بخلاف التسوية فإنها من النسب التي لا تتصور بدون المتعلق فلذا قدره ومنه تعلم أنّ تنزيل الفعل منزلة اللازم لا يكون أو لا يحسن إلا فيما ليس من قبيل النسب فأعرفه وقوله يعدلون بربهم الأوثان الأولى التعميم وقد اعترف المصنف رحمه الله بتضمن السورة الرذ على الثنوية، ئم إنّ حذف المفعول هنا ليقع الإنكار على نفس الفعل. قوله: (أي ابتدأ خلقكم الخ) إشارة إلى أنّ من ابتدائية، وقيل إنه يعني أنّ الخلق مجاز عن ابتدائه وأن كون الطين مبدأ لخلقهم باعتبار المادة الأولى فقوله، وإنّ آدم صلى الله عليه وسلم الخ بالكسر

الصفحة 11