كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

يتفرّع عليها حكم ومصالح متقنة هي ثمراتها وان لم تكن عللا غائية لها حيث لولاها لم يقدم الفاعل عليها ومن أهل السنة من وافق المعتزلة في التعليل، والغرض الراجع منفعته إلى العباد، وادّعى أنه مذهب الفقهاء والمحدثين، إذا عرفت هذا فاعلم أن حقيقة التعليل عند أهل السنة بيان ما يدل على المصلحة المترتبة على الفعل، وأما تفسيره بالباعث الذي لولاه لم يقدم الفاعل على الفعل أو عدم اشتراط ذلك فهو من تحقيقات المتكلمين لا تعلق له باللغة، وأما عند أهل اللغة فهو حقيقة في ذلك مطلقا، والفرق بينها وبين لام العاقبة أنّ لام العاقبة ما تدخل على ما يترتب على الفعل، ويى! مصلحة، وهل يشترط فيها أن يظنه المتكلم غير مترتب أم لا حتى يكون في كلامه تعالى من غير حكاية أم لا فيه خلاف تقدم شرحه فما قيل أنّ اللامات الداخلة على فوائد أفعاله المسماة بالحكم والمصالح استعارات تبعية فلا تكون اللام فيها على أصلها إلا على رأي من يجوّز أن تكون أفعاله معللة بالاغراض، ولا يقول به المصنف رحمه الله مردود بما سمعت آنفا، وقوله باعتبار المعنى يعني التأويل بالكتاب أو القرآن، والمراد بالمصدر التبيين أو التصريف كما قيل فهو مفعول مطلق على الأوّل، وقوله: (فإنهم المنتفعون به (بيان لوجه تخصيصهم بذلك لجعل ما سواهم كالعدم، وجعل الجملة المعترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تفيد تقوية الكلام صرّح به الزمخشري في مواضع من كتابه فلا عبرة بمن أنكره، وقوله أكد به إيجاب الاتباع لأنّ من هذا وصفه يجب اتباعه. قوله: (أو حال مؤكدة) فسم ابن مالك في التسهيل الحال المؤكدة
إلى مؤكدة لعاملها نحو ولي مدبرا ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ومؤكدة لغيره في بيان فخر أو يقين أو تعظيم ونحوه ويجب أن يتقدّم عليها جملة اسمية، ويحذف عاملها وجوبا فمن قال وكونها واقعة بعد الجملة الاسمية شرط لوجوب حذف عاملها لا لصحتها لقوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [سورة البقرة، الآية: 60] فقد خلط بين معنيي الحال وقسميها ومعنى لا تحتفل لا تعتد وتبال وقوله ولا تلتفت تفسير له، وأوّله بهذا لأنه لا بد له من التبليغ والقتال إلا أن يكون قبل الأمر بالقتال، ثم نسخ بالآية السيف في سورة براءة فيكون حينئذ على عمومه، وقوله وهو دليل الخ ردّ على المعتزلة كما مرّ، والزمخشرفي فسره بمشيئة إكراه وفسر لأنّ عندهم مشيئة الاختيار حاصلة البتة قال النحرير: وهذه عكازته في دفع مذهب أهل السنة من أنّ الله تعالى لم يثأ إيمان الكافر ولا طاعة العاصي تمسكا بأمثال هذه الآيات. قوله: (أي ولا تذكروا آلهتهم الخ) هذا إمّا لأنّ الذين يدعون عبارة عن الآلهة والعائد مقدر، والتعبير بالذين على زعمهم أنهم من أولى العلم أو بناء على أنّ سب آلهتهم سبّ لهم كما يقال ضرب الدابة صفع لراكبها، أو على تغليب العقلاء منهم كالمسيح صلى الله عليه وسلم وعزير، ثم إنه في الكشاف ذكر في سبب النزول وجهين (1 (الأوّل إنهم قالوا عند نزول قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [سورة الأنبياء، الآية: 98] لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك، والثاني إن المسلمين كانوا يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسب الله تعالى، وأورد على الأوّل أن وصف اكهتهم بأنها حصب جهنم وبأنها لا تضرّ ولا تنفع سبّ لها فكيف نهى عنه بقوله: {وَلاَ تَسُبُّواْ} الخ.
وأجيب بأنهم إذا قصدوا بالتلاوة سبهم وغيظهم يستقيم النهي عنها، ولا بدع فيه كما
ينهى عن التلاوة في المواضمع المكروهة، أو معناه لا يقع السب منكم بناء على ما ورد في الآية فيصير سبباً لسبهم، وقيل السب ذكر المساوي لمجرّد التحقير والإهانة، وذلك إنما ورد للاستدلال على عدم صلوحها للألوهية والمعبودية ومثله لا يسمى سبا، وفيه نظر وقيل عليه إنّ
سبب النزول على إحدى الروايتين وصفه لها بأنها حصب جهنم فكيف لا يكون ذلك سبا فالجواب أن يقال النهي عن السب في الحقيقة إنما هو عن إظهاره، فإنه المؤذي إلى سب الله فتأمّل. قوله: (أو لنهجونّ إلهك) فإن قيل إنهم كانوا يقرّون بالله وعظمته وإنّ آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء عنده فكيف يسبونه، قلنا لا يفعلون ذلك صريحاً بل يفضي كلامهم إلى ذلك كشتمهم له ولمن يأمره بذلك مثلا، وقد فسر بغير علم بهذا، وهو حسن جذا أو أنّ الغيظ والغضب ربما حملهم على سب الله صريحا ألا ترى المسلم قد تحمله شدّة غضبه على التكلم بالكفر وعدوا كضربا وعدوا كعتوّاً وعداء كعزاء، وعدواناً كسبحان مصدر

الصفحة 110