كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الفعل بلا فاعل، وفي الدر المصون قيل فاعله ضمير الله أي وما يشعركم الله إنها إذا جاءت الآيات المقترحة لا يؤمنون وهو تكلف بعيد، وقال السفاقسي: إنه كير مستقيم لأن الله أعلمهم بأنهم لا يؤمنون،
إلا أن تجعل لا زائدة. قوله: (أنكر السبب مبالغة في نفي المسبب الخ (إشارة إلى جواب ما يقال إنك إذا قيل لك أكرم زيداً يكافئك قلت في إنكاره ما أدراك أني إذا أكرمته يكافئني فإن قيل لا تكرمه، فإنه لا يكافئك قلت في إنكاره ما أدراك إنه لا يكافئني تريد وأنا أعلم منه المكافأة فمقتضى حسن ظن المؤمنين بهؤلاء المعاندين أن يقال وما يدريكم إنها إذا جاءت يؤمنون غائبات لا بعكس المعنى إلى أن المعلوم لك الثبوت وأنت تنكر على من نفى كذا قرّره شراح الكشاف، فلذا حمله بعضهم على زيادة لا، وبعضهم على ا! أن بمعنى لعل وبعضهم على أنها جواب قسم بناء على أن أنّ في جواب القسم يجوز فتحها، والزمخشري وتبعه المصنف أبقى الكلام على ظاهره فقيل في المثال المذكور إنك إذا علمت أنه لا يكافئ وأشير عليك بإكرامه لظن المشير المكافأة فلك حينئذ معه حالتان، حالة أن تنكر عليه اذعاء العلم بما تعلم خلافه، وحالة أن تعذره لعدم علمه بما أحطت به ففي الحالة الأولى تقول ما يدريك أنه يكافئ، وفي الثانية تقول ما يدريك أنه لا يكافئ أي من أين تعلم أنت ما علمته أنا من عدم المكافأة، وكذلك الآية لإقامة عذر المؤمنين كما يدل عليه ما بعده، وايضاحه كما قيل إنه استفهام في معنى النفي، والإخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم والمعنى إنّ الآيات عند الله ينزلها بحسب المصالح وقد علم إنهم لا يؤمنون ولا ينجع ذلك فيهم وأنتم لا تدرون ما في الواقع من علمه تعالى فلذا توقعتم إيمانهم، والاستفهام الإنكاري له معنيان فالإنكار، إن كان بمعنى لم يقال ما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون وبمعنى لا يقال لا يؤمنون والمراد الثاني بدليل ما بعده، وفي الكشف إنه في الثاني منكر عليهم الاقتراح وهو القول من كير علم وبمعنى ما لا يعرت حقيقته، وهو أبلغ وإن كان الثاني أوضح وأقرب ومنه يعلم أنه يجوز أن يكون الإنكار بمعنى لم أيضا فقوله أنكر السبب أي الإشعار مبالغة في نفي المسبب أي الشعور، وليس معناه أنه أنكر الدراية بهذا العلم وأريد إنكاره إظهار الحرص أي أنتم لا تدرون كما قيل فالمعنى لا تدرون أنهم يؤمنون، وفي نفي المسبب بهذا الطريق مبالغة ليست في نفيها بدونها لأنّ في الكناية إثبات الشيء ببينة وفيه تعريض بأن الله عالم بعدم إيمانهم على تقدير مجيء الآية المقترحة لهم، وتنبيه على أنه تعالى لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون فعدم الإنزال لعدم الإيمان. قوله: (أن بمعنى لعل) هذا قول الخليل رحمه الله، ويؤيده أن يشعركم ويدريكم بمعنى، وكثيرا ما تأتي لعل بعد فعل الدراية نحو وما يدريك لعله يزكي، وأن في مصحف أبيّ رضي الله عنه وما أدراك لعلها، وقوله كأنه قال وما يشعركم ما يكون منهم إشارة إلى أن مفعوله محذوف على هذين الوجهين وهو يتعدى إلى مفعولين. قوله: (ثم أخبرهم الخ) ظاهره أنه إخبار ابتدائيّ وجعله ابن
الحاجب جواب سؤال، وفي الكشف كأنه قيل لم وبخوا فقيل لأنها إذا جاءت لا يؤمنون، ولك أن تبنيه على قوله وما يشعركم فإنه أبرز في معرض المحتمل كأنه سأل عنه سؤال شاك ثم علل بقوله لأنها إذا جاءت لا يؤمنون جزما بالطرف المخالف، وبياناً لكون الاستفهام غير جار على الحقيقة، وفيه إنكار لتصديق المؤمنين على وجه يتضمن إنكار صدق المشركين في المقسم عليه وهذا نوع من السحر البياني لطيف المسلك، وعلى كونه خطاباً للمؤمنين لا يكون داخلا في حيز قل إلا بأن يقدر قل للكافرين إنما الآيات عند الله وللمؤمنين وما يدريكم، وهو تكلف لا داعي إليه، وعلى كونه خطابأ للمشركين يدخل تحته ويكون فيه التفات. قوله: (وقرئ وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم الخ (في الكشاف أي يحلفون بأنهم يؤمنون عند مجيئها وما يشعرهم أن تكون قلوبهم حينثذ كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات مطبوعا عليها فلا يؤمنوا بها اهـ، والضمير للكفار كما يدل عليه قوله على حلفهم أي إنكار لما حلفوا عليه والقراءة حينئذ إمّا بالفتح أو بالكسر، ويجري فيه ما مز فنزل عليه كلام الشيخين، وتقدم أنّ يشعركم وينصركم ونحوه قرئ بضم خالص وسكون واختلاس.
تنبيه: قراءة كسر إنّ وجهها الخليل وغيره بأنها استئناف إخبار بعدم إيمان طبع على قلبه، وضعف الفتح بأنه يصير عذراً

الصفحة 112