كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

أن يقال إنها منقولة من الاستفهام كما قاله الرضي: معتذراً عن ابن الحاجب لما لم يذكرها بأنها في الأصل استفهامية فمعنى رجل أفي رجل أنه عظيم يسأل عن حاله لأنه لا يعرفه كل أحد انتهى لكن لا شبهة في أن أياً هذه لا تقتضي الصدارة لانسلاخ الاستفهام عنها بالكلية، ولو اقتضت الصدارة لزم أن يقال برجل أقي رجل مررت، وهذا جليّ جداً وبهذا ظهر أنّ في
توجيهه سهواً ظاهر اهـ، وإذا أحطت خبراً بما ذكرناه وبما قاله أبو حيان في الاعتراض على الزمخشري بأنه إذا كان التقدير وأفي أجل مسمى عنده كانت أيّ صفة لموصوف محذوف تقديره وأجل أفي أجل ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أيا ولا حذف موصوفها وابقاؤها ولو قلت مررت بأقي رجل تريد برجل أفي رجل لم يجز، وقال المعرب بعد هذا لا نسلم أن ما ذكره الزمخشري من التقدير يلزمه عليه حذف الموصوف بل هي مبتدأ كقولك أيّ رجل عندك وأيّ رجل زيد انتهى، وهذا ما قالوه بأسرهم من المتقدمين والمتأخرين (وأنا أقول أليس فيه ما طبق المفصل وأصاب المحز، فإذا نظرت بعين البصيرة عرفت أنّ العلامة يريد أنّ النكرة المخبر عنها بالظم ف يلزم تقدم ظرفها، وإنما تخلف هنا لأنها قصد بها التعظيم، وما قصد به ذلك حقيق بالتقديم والتعظيم من التنكير والتنوين لأنه في معنى أفي أجل ونظره به لأنه واضح كثير ولم يرد أنّ فيه لفظ أي مقدرا، وهو ظاهر لغير أكمه البصيرة، ويؤيده أن القاضي وغيره ذكروا التعظيم ولم يذكروا أياً والنحرير وغيره فهموا أن فيه أيا مقدرة فورد عليهم أمور ارتكبوا التكلف لدفعها، والعلامة إذا عرج إلى سماء المعاني لم يتوكا على عصى، وإذا حكم على المعاني لم تقرع له العصى، فإن قلت: إذا كان وجوب التقديم فيما وضع للاستفهام وجواز عدمه إذا انسلح عنه فالظاهر أنه فيما حمل عليه ليس كذلك لأن الأصل ليس كالنائب قلت هذا مما يتراءى في بادئ النظر، وعند التحقيق الظاهر خلافه لأنّ الأصل تكفيه أصالته شاهداً فلا يضرّ تخلفه أحيانا بخلاف الطارىء فإنه محتاج للبيان لتبادر الذهن إلى المعنى الأصلي فتأمله فإنه حقيق بذلك. قوله: (استبعاد الخ (إشارة إلى أنّ ثم هنا يجري فيها ما مرّ، وقوله: وخالق أصولهم يحتمل أن يريد بأصولهم آباءهم وجمعها لتعذدهم أو لتعدد فروعهم إن أريد ما ذكر في قوله: خلقكم من طين لا الآباء ولا العناصر أو موادهم إذ يؤخذ هذا من الأرض المرادة وما فيها. قوله: (وإبقائها ما يشاء كان أقدر الخ) ما يشاء إشارة إلى الآجال، وأقدر بمعنى أظهر قدرة وهو كقوله تعالى: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية: 27] لأنّ من صنع شيئا وأوجد ماذته سهل عليه صنع مثله فيقاس عليه إعادته أو هو لزيادة استعداد القابل لما أفيض عليه من الصور أوّلاً والا فالقدرة القديمة بالنسبة إلى جميع مقدوراتها على السواء فمعنى التفضيل فيها ما ذكر إمّا على طريق التمثيل والقياس إلى القدرة الحادثة التي تتفاوت قدرتها أو بالقياس إلى القابل لا الفاعل بزيادة استعداده للقبول، وأمّا بالنسبة إلى الفاعل فالكل على السواء فهو إمّا كناية عن زيادة ذلك الاستعداد أو أفعل التفضيل من المبنى للمجهول مثل ما أشغله أي أكثر ما تتعلق به القدرة، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى أن متعلق الامتراء تقديره تمترون في البعث، لا في الله فإنه لا يناسب ما تقدم من التصريح بكفرهم، وأن المعاد بضم الأجزاء واعادتها لا
بإيجاد بعد إعدام وتحقيقه في الأصول. قوله: (فالآية الأولى دليل التوحيد الخ) وجه دلالة الثانية ظاهر على تفسيره ووجه دلالة الأولى أنه إذا كان لا يليق الثناء والتعظيم بشيء سواه لأنه المنعم لا أحد غيره لزم أن لا معبود ولا إله سواه بالطريق الأولى، ولا حاجة إلى ملاحظة برهان التمانع وأن الآية إشارة إليه لأنها بالذات إنما تدل على وجود الصانع لا التوحيد وإنما أوقعه في هذا التكلف حمل الدليل على البرهان العقلي، أو مقدماته التي يتألف منها أشكاله والمصنف رحمه الله قلما يستعمله بهذا المعنى كما يعلم من تتبع كلامه، ولذا قال بعض الفضلاء كونها دليل التوحيد ظاهر على أن يكون يعدلون من العدل وأئا كونه من العدول فباعتبار إجراء الخلق والجعل على الله وذكر بربهم، ولذا قال بعض المدتقين إنه ميل إلى ترجيح كون يعدلون من العدل، وقد أشار إليه في مفتتح كلامه أيضا بقوله ونبه على أنه المستحق إلى قوله: ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون لأنّ

الصفحة 14