كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

السورة مسوقة للردّ على أصناف المشركين، واعترض عليه بأنه غفلة عما زعم أنه تحقيق، وليس كما زعم والآية الثانية مستقلة في الدلالة على البعث إن فسرنا الأصول بالتفسير الأوّل، والا فهي غير مستقلة ومتعلق الامتراء عند المصنف رحمه الله البعث كما مرّ، وفي الكشاف إنه استبعاد لأنّ يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم فيكون متعلقه وجوده تعالى وهو موجه بناء على أن الأجل المسمى بمعنى القيامة فإنها دالة على البعث، وجعل بعضهم دليل البعث من خلق السماوات والأرض على منوال قوله: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} [سورة النازعات، الآية: 27] وهو خلاف الظاهر. قوله: (وأصله المري الخ) قال الراغب رحمه الله المرية التردد في المتقابلين وطلب الإمارة مأخوذة من مري الضرع إذا مسحه للدرّ.
ومنه أخذ المصنف رحمه الله وقيل الامتراء بمعنى الجحد، وقيل الجدال، وعلى الوجه الأوّل وجه المناسبة أن الشك سبب لاستخراج العلم الذي هو كاللبن الخالص من فرث ودم. قوله: (الضمير دلّه (هذا قول الجمهور، وقال: أبو عليّ هو ضمير الشأن والله مبتدأ خبره ما بعده والجملة مفسرة لضمير الله وعلى هذا فإن تعلق الجارّ به فالحمل ظاهر الفائدة والا فهو على حد أنا أبو النجم وشعري شعري أي هو المعروف بالألوهية الأظهر من الخفي كما سيأتي تحقيقه. قوله: (متعلق باسم الله والمعنى الخ) في الكشاف متعلق بمعنى اسم الله كأنه فيل وهو المعبود فيها ومنه قوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [سورة الزخرف، الآية: 84] أو وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها أو وهو الذي يقال له الله فيها لا يشرك به في هذا الاسم غيره، وحاصله أنه لما توجه هنا أنّ الظرف لا يتعلق باسم الله لجموده، ولا بكائن
لأنه يكون ظرفاً دلّه وهو منزه عن المكان والزمان أجاب عنه بأربعة أوجه، ولذا قال النحرير: لا خفاء في أنه لا يجوز تعلقه بلفظ الله لكونه اسماً لا صفة، وكذا في قوله في السماء إله وفي الأرض إله لأنّ إلها اسم وان كان بمعنى المعبود كالكتاب بمعنى المكتوب فهو متعلق بالمعنى الوصفيّ الذي تضمنه اسم الله كما في قولك، هو حاتم في طيىء على معنى الجواد، والمعنى الذي يعتبر هنا يجوز أن يكون هو المأخوذ من أصل اشتقاق الاسم أعني المعبود أو ما اشتهر به الاسم من الألوهية وصفات الكمال، ودل عليه هو الله مثل أنا أبو النجم وشعري شعري أي المعروف بذلك في السماوات والأرض، أو ما يدل عليه التركيب الحصر! من التوحد والتفرّد بالألوهية، أو ما تقرّر عند الكل من إطلاق هذا الاسم عليه خاصة فهذه أربعة أوجه لا خفاء فيها وفي كيفيتها، وليس معناها أن يحمل لفظ الله على معناه اللغوي أو المعروف أو المتوحد بالإلهية أو يقدر القول انتهى، وفيه بحث لأنه لا وجه لجعله متعلقا بالجملة جميعها ولا نظير له، وان جعله متعلقأ بلفظ الجلالة فلا بد من أخذ ذلك المعنى منه فيلزمه الرجوع إلى ما قاله الشراح وسيأتي ما يصححه على بعد، والمصنف رحمه الله لما اختار سابقاً أنه اسم للمعبود اختار هنا تعلقه بالاسم الكريم باعتبار أنه في المعنى المراد منه ملاحظ فيه معنى الصفة والجار والمجرور يكفي في تعلقه مثل ذلك فلا حاجة إلى اعتبار معنى آخر خارج عنه، ولم يقل المعبود ليصح الحصر المستفاد من تعريف الطرفين لأنه عبد غيره لكنه بغير حق، ولأن معناه بعد الغلبة المعبود بحق لا مطلق المعبود كما فصل في أوّل الكتاب، وإذا اتضح المراد سقط الإيراد، فلا وجه لما أورد عليه من أن الاستحقاق قائم به، وليس فيهما، فلو كان المعنى هو المعبود فيهما كما في الكشاف لصح لأن عبادته واقعة فيهما إذ المراد هو المعبود بحق فيهما ولا حاجة إلى أنه كني عن المعبودية بحق بام! تحقاق المعبودية وكذا الأوجه لقوله لو أريد هو المحمود فيهما لكان مناسباً لفاتحة السورة والحاصل أن كلامه مبنيّ على الأصح عنده من كونه وصفاً في الأصل بمعنى المعبود بحق أو المحير للعقول، وأمّا عند جعله اسماً مطلقا على المعبود كصاحب الكشاف فبأن ضمن اسمه معنى الوصف المذكور لكفاية رائحة الفعل فيه كان يلاحظ فيه بعض لوازمه، وما اشتهر به أو ما اعتبر عند وضعه للمعنى، الأوّل كقوله:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة
والثاني نحو هو حاتم في بلده والثالث ما نحن فيه على ما ذهب إليه صاحب الكشاف،
ثم إنه قيل لاختلاف مذهبهما في اسم الله اختلفت عبارتهما بزيادة لفظ المعنى وعدمها انتهى وفيه نظر. قوله: (لا غير) إشارة إلى الحصر المستفاد

الصفحة 15