كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

إلى المرمى إليه فيجرحه أو يوجعه ويؤلمه ولذلك يكون من القبيل الثاني، والإمام البزازي لعدم وقوفه على هذا الفرق الذي نبهوا عليه قال وفي كل فعل له أثر في المحلوف كالشتم والرمي يعتبر كون المحلوف عليه في المسجد لا الحالف والطحاوي جعل الرمي كالشتم وهذا في استعمال العرف، وأما في العربية فلم نر فيه تفصيلاً وكلامهم هنا يخالفه لأنّ العلم لا يظهر له أثر في المعلوم، ولذا قيل إنه لا يصح قياس النظم بالمثال لأنّ الرمي له أثر في المحل دون العلم، وقيل في وجهه إنّ العالم إذا لم يكن له مكان أصلا لم يصح نسبة علمه إليه بالحصول فيه لكن إذا كان علمه متعلقا بما فيه صار كأنّ العلم فيه فجاز جعله ظرفا له، وأمّا ما ذكره من المثال فوجهه أنّ الرمي شيء ممتد من انفصال ما به الرمي من السهم وغيره إلى آن الوصول إلى المرمى فبعض أجزاء ذلك الرمي الممتد لما وقع في الحرم جاز جعله ظرفاً له، ومن هذا ظهر صحة أن يقال رميت الصيد في الحل باعتبار ما وقع فيه من أجزاء ذلك الممتد، وأما إذا أريد بالرمي حدوثه، فالصحة منحصرة في هذا القول باعتبار جزئه الأوّل فقط فتأمل اهـ، وهو غير سديد إذ لا يوافق استعمال اللغة ولا العرف وما ذكره من كون الفاعل لا يحويه مكان لا يوافق ما مثل به المصنف رحمه الله وما تكلفه له لا وجه له مع ما في تعبيره من الخلل، ولهذا المقام تحقيق لعل الله يمن به في محله. قوله: (أو ظرف مستقر وقع خبرا الخ) إمّا خبر بعد خبر إن كان الله خبراً دمان كان بدلاً فظاهر، وقوله: كأنه فيهما الخ قيل يعني أنّ الآية الكريمة من التشبيه البليغ كزيد أسد والمعنى الله كائن في السماوات والأرض بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وقال النحرير معنى كونه فيهما أنه عالم بما فيهما على التشبيه والتمثيل يعني الاستعارة التمثيلية شبهت حالة علمه بهما بحالة كونه فيهما لا! العالم إذا كان في مكان كان عالما به وبما فيه بحيث لا يخفى عليه شيء منه وفيه بحث إذ لا يظهر وجه الشبه الجامع
بينهما وقوله لأن العالم إذا كان في مكان لا يدل على ما اذعاه، ثم قال: ويجوز أن يكون كناية فيمن لم يشترط جواز المعنى الأصلي، ولا يستقيم هذا الكلام بدون هذا المجاز أو الكناية ورذ بأنه يستقيم إذا حمل على المبالغة كما مز انتهى، وما أورد على التمثيل ليس بوارد لأنه شبهت الحالة التي حصلت من إحاطة علم الله بهما وبما فيهما بحالة بصير تمكن في مكان فنظره وما فيه، والجامع بينهما حضور ذلك عنده، وجوز فيه أن يكون مجازا مرسلاً باستعماله في لازم معناه وهو ظاهر وأن يكون استعارة بالكناية بأن شبه بمن تمكن في مكان، وأثبت له ما هو من لوازمه وهو علمه به وبما قيه. قوله: (ويعلم سركم وجهركم بيآن وتقرير له الخ (يعني على كون الظرف خبرا، وهو كالقرينة له فلذا جعله بيانا لأنّ القرينة تبين المراد، ولما كان معنى كونه فيهما إحاطة علمه كان هذا تقريراً وتوكيدآ لدلالته عليه فلا وجه لما تيل الأولى أن يقول أو تقرير، وجوز الزمخشري كونه خبراً ثالثأ بناء على أنّ القرينة فيه عقلية، وهي أنّ كل أحد يعلم أنه تقدس وتعالى منزه عن المكان والزمان كما في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [سورة الحديد، الآية: 4] إذ لم يردف بما يبينه فلا يرد أنه لو جعل خبراً انتفت القرينة. قوله: (وليس متعلق المصدر الخ (لأنّ معمول المصدر لا يتقدم عليه، والمراد بالمصدر السر والجهر فيكون من التنازع ويلزمه أيضا التنازع مع تقدم المعمول وفيه خلاف أيضا، وأمّا ما قاله ابن هشام رحمه الله من أنه إنما يمتنع تقدمه إذا قدر بحرف مصدري وفعل وهذا ليس كذلك فليس مما منعوه فقد رذه الشارح بأنّ تقديره ما يسرون وما يجهرون، وفيه نظر، ومنهم من يجوز تقدم الظرف لكنه قيل إنّ المصدر هنا بمعنى المفعول فلا يؤول بالموصول الحرفي والفعل، وقيل عليه إن هذا وإن صح لفظاً لا يصح معنى لأنّ أحوال المخاطبين لا معنى لكونها في السماء، والقول بأنّ المعنى حينئذ يعلم نفوسكم المفارقة الكائنة في السماوات أو نفوسكم المقارنة لأبدانكم الكائنة في الأرض خروج عن الظاهر، وتعسف لا يخفى قلت وهو وارد على المصنف رحمه الله أيضا لا من جهة أنه جعل المانع من جهة العربية فأشعر بصحته معنى بل على وجه تعلقه بالفعل، وجعل الظرفية باعتبار المفعول فإنه يقتضي أن سر المخاطبين في السماوات أيضا، ولذا تركه بعضهم اللهم إلا أن يقال إنه كناية عن إحاطة العلم بالخفيّ، والظاهر كقوله تعالى: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سورة سبأ، الآية: 3] ، ولذا قال

الصفحة 17