كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

بعض المتأخرين لعل جعل سرهم وجهرهم فيها لتوسيع الدائرة، وتصوير أنه لا يعزب عن علمه شيء في أي مكان كان لا لأنهما قد يكونان في السماوات أيضا، وأمّا تعميم الخطاب للملائكة فتعسف مع أن السياق يقتضي أنه على هذا لا يحتاج إلى التأويل كما في الخبرية، فهذا صلح عن غير تراض.
قوله:) من خير أو شرّ الخ) رتب عليه قوله فيثيب الخ إشارة إلى أنّ علمه تعالى عبارة
عن جزائه فتنمّ مغايرته لما قبله، وقوله ولعله أريد بالسر والجهر الخ، قال خاتمة المدققين فإن قلت هذا إنما يظهر إذا لم يتعلق في السماوات بيعلم، وأمّا إذا تعلق به فلا إذ لا تكون السماوات ظرفاً لأحوال أنفس المخاطبين قلت الآية الكريمة حينئذ من تغليب المخاطبين على الملائكة وفيه بعد لا يخفى، وقد فسر السر بالنفوس والجهر بالأبدان، ثم قيل على تقدير تعلق الظرف بالفعل المذكور يكون المعنى يعلم نفوسكم المفارتة في السموات، ونفوسكم المقارنة لأبدانكم في الأرض، وفيه بحث فإنّ الخطاب على هذا يكون للمؤمنين، وقد يكون فيما قبل للكافرين فتفوت المناسبة والارتباط، ثم كيف يفعل إذا تعلق الظرف بالمصدر مع أنّ أبدان المخاطبين ليست في السماوات ولعل الأولى والله أعلم أن يقال المراد بالسر ما كتم عنهم من عجائب الملك، وأسرار الملكوت مما لم يطلعوا عليه وبالجهر ما ظهر لهم من السموات، والأرض فإضافة السر والجهر إلى ضمير المخاطبين مجازية، وفيه نظر، ومراد المصنف رحمه الله بيان المغايرة بين المتعاطفين أيضا كما أن منهم من دفعه باختصاص الأوّل بالأقوال وهذا بالأفعال، وقيل عليه أحوال الأنفس كيف تكون ظاهرة وأجيب بأنه باعتبار ما يدل! عليها من الجوارح كما تظهر آثار الغضب والفرح، وغيرها من الأحوال النفسية. قوله: (من الأولى مزيدة للاستغراق) قيل أي لتأكيده فإنّ النكرة في سياق النفي للاستغراق، ويحتمل عدمه احتمالاً مرجوحا كما في قولك ما رجل في الدار بل رجلان بجعل النفي عائداً إلى وصف الفردية خصوصأ، وأمّا إذا كان مع من الاستغراقية لفظا نحو ما من رجل في الدار أو تقديراً نحو لا رجل في الدار فهو نص في الاستغراق، ولا يحتمل عدمه لثونه لنفي الجنس بالكلية وهذا مخالف لما حققه ابن مالك في التسهيل من أنه إذا كانت النكرة بعدها لا تستعمل إلا في النفي العام كانت لتأكيد الاستغراق نحو ما في الدار من أحد وإذا كانت مما يجوز أن يراد بها الاستغراق ويجرز أن يراد بها نفي الوحدة أو نفي الكمال كانت من دالة على الاستغراق نحو ما جاءني من رجل فتأمل. قوله: (والثانية للتبعيض (وجعلها ابن الحاجب تبيينية فقال النحرير، ولا يستقيم إلا إذا كانت النكرة في النفي بمعنى جميع الإفراد لما صرحوا به من أنه لا بد من صحة حمل المبين على المبين، وما قاله من أنها لو كانت تبعيضية لما كانت الأولى استغراقية ممنوع لصحة قولنا ما يأتيهم بعض من الآيات من أفي بعض كان، ومبني كلامه على اعتبار التبيين والتبعيض بعد اعتبار النفي، وإفادة الشمول والإحاطة فيصح التبيين، ولا يصح التبعيض حينئذ لكن لا يخفى إمكان اعتباره بعد اعتبار التبعيض فتأمل انتهى، وفيه بحث فإنّ الشمول والإحاطة في أمثاله يكون على البدل لا الاجتماع حتى لا يصح التبعيض، وحاصله أن التناول لكل فرد الذي هو مدلول النكرة المنفية قد يستلزم الحكم على المجموع كما فيما نحن فيه فإنّ مآل المعنى إلى أنّ المجموع ليس إلا معرضا عنه لهم فبالنظر إليه جاز كون من بيانية، وتحقيقه أنّ هاهنا اعتبارين
أحدهما أن يلاحظ أوّلاً معنى آية منكراً ويلاحظ تعلق من آيات ربهم به ثم يسلط النفي عليه فحينئذ تكون تبعيضية البتة وثانيهما أن يسلط النفي عليه أوّلاً ثم يلاحظ تعلق من آيات ربهم به فحينئذ يجوز أن تكون تبيينية نظراً إلى لازم الحكم هذا ما قيل في تصحيح كونها بيانية لكنه خلاف الظاهر، ومع هذا لا وجه لقوله لو كانت تبعيضية لما كانت الأولى استغراقية لكونه في حيز المنع لأن الاعتبار على الوجه الثاني، ثم النظر إلى لازم الحكم ليس بأمر واجب وأيضا الاستغراق هاهنا لآية متصفة بالإتيان فهي وان استغرقت بعض من جميع الآيات. قوله:) أي وما يظهر لهم دليل قط الخ) يريد أن الآية في الأصل العلامة وتستعمل بمعنى الدليل، والمعجزة والآية القرآنية، واستعمال قط مع المضارع ليس بجيد لأن قط ظرف مختص بالماضي إلا أن يريد بقوله ما يظهر

الصفحة 18