كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

ما ظهر ولا حاجة إلى مثله ولما كان الإتيان، والمجيء يوصف به الأجسام فسره بيظهر استعمالاً له في لازم معناه مجازاً لا كناية كما قيل، والوجوه مرتبة الأعم فالأعم ولا حاجة إلى تقييد كل بغير الذي بعده لتتغاير الوجوه كما قيل المراد بالدليل دليل الوحدانية، أو البعث فيقابل المعجزة. قوله:) تاركين للنظر فيه غير ملتفتين إليه) لما كان حقيقة الإعراض في العنق وصرف الوجه عن شيء من المحسوسات فسره هنا بمعنى ترك النظر في الدليل والاعتناء به مجازاً، ولما كان المشهور في هذا المجاز عدم الالتفات أردفه به وقيل فسر الإعراض عن الدليل بترك النظر فيه، ثم قيده بعدم الالتفات إليه إشارة إلى أنه لا قدج فيه للتقليد لأنّ المقلد بتقليده المجتهد ملتفت إلى دليله ولا يخفى بعده ونبوّ المقام عنه، وذكر الضمير نظرا إلى الدليل أو القرآن كما يدل عليه ما بعده. قوله:) وهو كاللازم لما قبله الخ) فيه وجهان أحدهما أن الفاء سببية ما بعدها مسبب عما قبلها كما اختاره في البحر، وقوله: كأنه قيل الخ بيان يحصل به المعنى، والثاني أن هنا شرطا مقدراً تقديره كما في الكشاف، وغيره إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بالحق لما جاءهم، والأوّل ظهر وكلام المصنف رحمه الله مبنيّ عليه، وما قيل إن الفاء على هذا الوجه للسببية أفادت تسبب ما بعدها أعما قبلها فهي في المعنى جزائية لشرط مقدر تقديره لما كانوا معرضين كما ذكرد المصنف رحمه الله خلط، وخبط لأنّ لما جوابها الماضي لا يقترن بالفاء على الصحيح الفصيح ألا ترى أن المصنف رحمه الله أسقطها في بيان المعنى، والفاء الفصيحة لا تقدر جواب لما، ولم نسمع أحداً من النحوييون قدرها بذلك، وكيف يقدر للفاء ما يقتضي عدمها، بقي أنّ الزمخشريّ قال: إنه مردود على كلام محذوف أي متعلق به في معرض الجزاء، وهو يستعمل مردودا بمعنى الجزائية والتبعية كثيراً فقيل لأن الشرط سبب في الحقيقة للجزاء إذ المعنى إن كانوا معرضين عن الآيات فلا تعجب فقد كذبوا بما هو أعظم آية يعني القرآن، وهو أشد من الإعراض انتهى،
فقدر الفصيحة محذوفة بناء على جواز حذفها كما أشار إليه الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى} [سورة البفرة، الاية: 73] إذ المعنى فضربوه فحيي فحذف ذلك لدلالة قوله كذلك يحيي الله الموتى، والعجب منه أنه تال: ثمة يعني حذف ضربوه المعطوف على قلنا شائع في الفاء الفصيحة، وهنا قد حذفت الفاء الفصيحة في فحيي مع المعطوف بها أيضا بدلالة قوله كذلك الخ انتهى، ورده بعض الفضلاء فقال: من زعم أن الفاء في فحيي فصيحة فقد غفل عن أنّ ذلك على تقدير أن تكون مذكورة وما تبلها محذوفا، وأما إذا حذفا معا وقدرا معاً كالذي نحن فيه فالفاء سببية محضة وليس بشيء لأنه متفق على صحة مثل هذا التقدير، وقد قدره هو هنا كذلك وصرج به الكرماني في مواضع من الحديث النبوي فإن كان محصل رذه أنها لا تسمى فصيحة فنزاع لفظيّ لأنها إذا حذفت لا تفصح عن محذوف فلا تسمى فصيحة، ومن سماها فصيحة أراد أنه لو صرح بها أفصحت عنه والأمر فيه سهل، وقد مز قي سورة البقرة تفصيله. قوله: (أو كالدليل عليه الخ) قيل هذا بناء على أنّ الفاء يكون ما قبلها مسببا عما بعدها، وعكسه وجعلها النحاة والأصوليون على هذا تعليلية نحو أكرم زيداً فإنه أبوك واعبد الله فإن العبادة حق، قال الرضي: وقد تكون فاء السببية بمعنى لام السببية وذلك إذا كان ما بعدها سببا لما تبلها نحو اخرج منها فإنك رجيم، ولم يذكر إنها تفيد الترتيب حينئذ ولما كانت الفاء للتعقيب والسبب متقدّم على المسبب لا متعقب إياه تكلف صاحب التوضيح لتوجيهه بأنّ ما بعد الفاء علة باعتبار معلول باعتبار، ودخول الفاء عليه باعتبار المعلولية لا باعتبار العلية، وردّ بأنها لا تتأتى في كل محل، وفي التلويح الأقرب ما ذكره القوم من أنها إنما تدخل على العلل باعتبار أنها تدوم فتتراخى عن ابتداء الحكم وفي قوله فتتراخى الخ تسمح إذ التراخي يناسب، ثم لا الفاء ومراده أنها تعقب آخره، وفي شرح المفتاح الشريفي فإن قلت كيف يتصوّر ترتب السبب على المسبب قلت من حيث إن ذكر المسبب يقتضي ذكر السبب انتهى، فقد علمت وجه الترتيب فيها على سائر الوجوه وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله ولذلك رتب عليه بالفاء لكن ظاهر كلام النحاة، وغيرهم أن هذه الفاء تختص بالوقوع بعد الأمر، والوجه الأوّل يجري على الوجوه الثلاثة في تفسير الآية لتغاير الأعراض!

الصفحة 19