كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

والتكذيب وعبارة المصنف عندي تحتمل وجها آخر، وهو أن يكون فاعل رتب لفظ فسوف يأتيهم بمعنى أنه لما كان أمراً عظيماً يدل على ما هو عبرة رتب عليه الوعيد المذكور فتأمل. قوله: (أي سيظهر لهم ما كانوا به يستهزئون (لم يذكر النبأ في التفسير لأن إضافته بيانية أي النبأ الذي استهزؤوا به، وهو إخباره عن الوعد والوعيد كقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [سورة ص، الآية: 88] أو لأنه جعل إتيان لنبأ كناية عن الظهور كقوله:
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وعلى الأوّل الإتيان وحده مجاز عن الظهور كما مر ولا وجه لادّعاء أنّ الإنباء مقحم،
وأنّ المعنى سيظهر لهم ما استهزؤوا به من الوعيد الواقع فيه أو من نبوّة محمد كي! ونحوه لأنه لا داعي لإقحامه. قوله: (والقرن الخ (اختلف في القرن هل هو زمان معين أو أهل زمان مخصوص، واختار بعضهم أنه حقيقة فيهما، وقد اختلف فيه السلف فقيل هو من الاقتران ومعناه الأمّة المقترنة في مدة من الزمان واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: من قرنت وقيل من قرن الجبل لارتفاع سنهم وقوله: أهل زمان بناء على ما مرّ لا على تقدير مضاف أو تجوّز، واختلف في تعيين الزمان فقيل مائة وعشرون سنة وقيل مائة وقيل ثمانون وقيل سبعون وقيل ستون وقيل ثلاثون وقيل عشرون وقيل المقدار الأوسط في أعمار أهل كل زمان، ولما كان على هذا لا ضابط له بضبطه قال الزجاج قيل معناه أهل عصر فيهم نبيّ أو فائق في العلم على ما جرت به عادة الله، ويحتمل أنه مائة لما ورد أنّ على رأس كل مائة مجدداً فلا يقال إنه تقييد بلا دليل، والرؤية هنا إمّا بصرية أو علمية وهذا أظهر لأنهم لم يعاينوا القرون الخالية، وكم استفهامية أو خبرية معلقة لما قبلها، وهي في محل نصب على أنها مفعول به لأهلكنا أو مصدر بمعنى إهلاك أو على الظرفية بمعنى أزمنة، ومن في من قرن بيانية أو تبعيضية أو مزيدة كما في إعراب أبي البقاء وغيره 0 قوله: (مكناهم الخ) استئناف بيانيّ كأنه قيل ما كان حالهم، وقال أبو القاء: إنها في موضع جر صفة لقرن لأنّ الجمل بعد النكرات صفات لاحتياجها إلى التخصيص، وجمع الضمير باعتبار معناه، وقيل عليه أنت خبير بأنّ تنوينه التفخيمي مغن له عن استدعاء الصفة على أنّ ذلك مع اقتضائه أن يكون مضمونه، ومضمون ما عطف عليه من الجمل الأربع مفروغا عنه غير مقصود لسياق النظم مؤذ إلى اختلال النظم الكريم كيف لا، والمعنى حينئذ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن موصوفين بكذا وكذا وبإهلاكنا إياهم بذنوبهم وإنه بين الفساد انتهى وهذا غفلة منه أو تغافل عن تفسيرهم له بقولهم لم يغن ذلك عنهم شيئاً فالمراد به حقيقة الإهلاك، والا لزم التكرار وتفريع الشيء على نفسه وأما على هذا فلا يرد شيء مما ذكره أصلاً وما ذكره من أمر التنوين ليس بشيء. قوله: (جعلنا لهم فيها مكاناً) قال الزمخشريّ: معنى مكن له جعل له مكانا ومعنى مكنته في الأرض! أثبته فيها وقرّرته ولتقاربهما جمع بينهما في النظم هنا بمعنى أنهما وان تغايرا مدلولاً إلا أنهما اجتلبا للدلالة على السعة في الأموال والبسطة في الأجسام لأنّ التمكين فيها لا يكون إلا بذلك، وكذلك لا يجعل لهم مكاناً يتمكنون فيه كما أحبوا إلا بعدهما فاتحدا مقصوداً، وأمّا نكتة التخصيص فللإشارة
إلى زيادة سعة من قبلهم وقوتهم لأنّ مكنه أبلغ من مكن له، والمصنف رحمه الله أشار إليه بتفسير أحدهما بالآخر، وقد يقالى أنّ مراده أنهما بمعنى بناء على عدم الفرق المذكور، ففي التاج إنهما مثل نصحته ونصحت له، وقال أبو عليّ: اللام زائدة كما في ردف لكم وكلامه في سورة الكهف وكلام الراغب في مفرداته يؤيده والفرق بين التفسيرين أنّ الأول بمعنى ثبتناهم في الأرض بإطالة الأعمار في سعة ورفاهية، والثاني بأن جعلناهم متصرفين فيها ملكا وملكاً وهما متقاربان. قوله: (ما لم نجعل لكم من السعة وطول المقام) إشارة إلى ما مر من تفسير مكنا، وفي ما هذه وجوه لأنها إمّا موصولة صفة لمحذوف تقديره التمكين الذي لم نمكنه لكم والعائد محذوف أو نكرة أي تمكينا لم نمكنه وعليهما فهي مفعول مطلق، وقيل إنها مفعول به لأنّ مكنا بمعنى أعطينا وقيل هي مصدرية أي مذة عدم تمكينكم، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لغير الأخير وتفسيره بالجعل المذكور لبيان المقصود الذي جعل كناية عنه كما في الكشف، ولا حاجة إلى جعله تجريداً كما قيل وقوله: يا أهل مكة إشارة إلى أنّ الخطاب للكفرة وقيل إنه لجميع الناس وقيل للمؤمنين. قوله: (أو ما لم نعطكا

الصفحة 20