كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

والتأكيد يعين الحقيقة كما ذكره أهل المعاني فما قيل إنه إنما قيد به لأنّ الإحساس باللصوق يكون بجميع الأعضاء ولليد خصوصية في الإحساس ليست لسائرها، وأما التجوّز باللمس عن الفحص فلا يندفع به إذ لا بعد في أن يكون ذلك لبيان مباشرتهم للفحص بأنفسهم بل يندفع لكون المعنى الحقيقي أنسب بالمقام انتهى غنيّ عن الجواب إذ لا قرينة تصرف عن المعنى الحقيقي بل قرينة التأكيد قائمة على خلافه، وكذا ما قيل إنّ فيه تجريداً حيث ذكر بأيديهم فمعنى قوله لدفع التجوّز لدفع فساد التجوّز، والا فقد وقع في التجوّز ومعنى سكرت الأبصار غمضت وأقفلت، وأمّا قول بعضهم تقييده بالأيدي لدفع التجوّز سواء كان اللمس أعم مما هو باليد كما هو المفهوم من الكتب الكلامية، أو كان المس باليد كما هو المتبادر من كتب اللغة فغفلة عما نقلناه عن الراغب، ولا يليق نقل اللغة من كتب الكلام. قوله: (إن هذا إلا سحر مبين) أي ظاهر كونه سحراً، وقيل المراد به تعنتا أنه ليس بمخيل وان كان السحر لا يكون إلا مخيلا وفيه نظر ووضمع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أنه قول نشأ من كفرهم أو لأنّ المراد به قوم معهودون. قوله: (هلا أنزل معه ملك يكلمنا أنه نبي الخ) يعني لولا هنا للتحضيض والمقصود به التوبيخ على عدم الإتيان بملك يشاهد معه حتى تنتفي الشبهة بزعمهم أي هلا أنزل عليه ملك يكون معه يكلمنا أنه نبيّ فأوجز في العبارة تعويلا على انفهامه وليس معه تفسيراً لقوله عليه فلا يتوجه ما قيل إنه جعل على بمعنى مع كقوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [سورة البقرة، الآية: 177] أو جعل المعية منفهمة منه لأنّ النزول ليس في حال المقارنة إلا أن يحمل على الحال المقدرة والداعي إلى هذا أنّ النزول عليه ليس مطلوبا لذاته بل ليكون معه نذيراً. قوله: (جواب لقولهم الخ) يصح في الخلل الجرّ عطفاً على ما في قوله لما والرفع عطفا على المانع والمراد بالمانع اقتضاء هلاكهم وبالخلل زوال قاعدة التكليف كما سيأتي. قوله: (والمعنى أن الملك لو أنزل بحبث عاينوه الخ) في الكشاف هنا ثلاثة وجوه أمّا لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن ثم لا يؤمنون كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى} [سورة الأنعام، الآية: 11 ا] لم يكن بدّ من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة، وامّا لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة، فيجب إهلاكهم وأمّا لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون انتهى، وظاهره اختيار الوجه الأوّل من هذه الوجوه
الثلاثة بدليل قوله: فإن سنة الله قد جرت.. الخ ويحتمل الثاني أيضاً لجريان العادة بذلك في الذين احتضروا من الكفار كفرعون لعنه الله وقوله كما اقترحوه أي في صورته الأصلية قيل وأنت خبير بأنّ الوجه الثاني ينافي الوجه الأوّل لدلالة الأوّل على بقاء الاختيار وأنهم لا يؤمنون إذا عاينوا الملك، قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته، والثاني على سلبه وزواله وأنّ الإيمان إيمان يأس، وفي الانتصاف الوجه أن يكون سبب تعجيل عقوبتهم، بتقدير نزول الملك وعدم إيمانهم أنهم اقترحوا ما لا يتوقف وجوب الإيمان عليه إذ الذي يتوقف الوجوب عليه المعجز من حيث كونه معجز إلا المعجز الخاص، فإذا أجيبوا على وفق مقترحهم فلم ينجع فيهم كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المقتضى لعدم النظرة، وفي الكشف الاختيار تاعدة التكليف وهذه آية ملجئة قال تعالى {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} لما رأوا بأسنا فوجب إهلاكهم لئلا يبقى وجودهم عاريا عن الحكمة إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف وهو لا يبقى مع الإلجاء هذا تقريره على مذهبهم، وهو غير صاف عن الإشكال انتهى، وفيه إشارة إلى أنه ليس على قواعد السنة وكان وجه إشكاله أنه وقع في القرآن والواقع ما ينافيه كما مر في قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} [سورة البقرة، الآية: 259] الآية وترك المصنف رحمه الله الجواب الأخير وان كان منقولاً عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنه لا يناسب قوله، ثم لا ينظرون فإنه يدل على إهلاكهم لا على هلاكهم برؤية الملك إلا بتكلف. قوله: (بعد نزوله طرفة عين) في الكشاف معنى، ثم بعد ما بين الأمر قضاء الأمر وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر لأنّ مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة، وقيل في لفظ ثم إشارة إلى أنّ لهم مهلة قدر أن يتأملوا فيما نزل فيؤمنوا بالاختيار، وفيه أن قوله: {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} عطف على قوله لقضى ولا يمهل

الصفحة 22