كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

قوله: (وللبسنا جواب محذوف أي ولو جعلناه رجلاَ الخ) الداعي إلى هذا إعادة لام الجواب فإنها تقتضي استقلاله وأنه لا ملازمة بين إرسال الملك والتخليط فإنه ليس سببا له بل لعكسه ولا تكلف فيه كما أنه لا وجه لما قيل إنه لا حاجة إلى هذا التكلف لجواز عطف لازم الجواب عليه وجعل كل منهما جوابا نعم هو وجه آخر صحيح وقد يقال إنّ نكتة إعادة اللام أنّ لازم الشيء بمنزلته فكأنه جواب فاعرفه. قوله: (أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلكم) في الكشاف ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان هذا إنسان وليس بملك فإن قال لهم الدليل على أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز وهو ناطق بأني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن فهو لبس الله عليهم ويجوز أن يراد وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة فذكر فيه وجهين مبني الأوّل على أن يلبسون استقباليّ تقديري موقت بحين جعل الرسول ملكآ والثاني حاليّ تحقيقيّ وهو ما هم عليه حين إرسال محمد-! ي! إليهم ولبسهم على الأوّل التكذيب وقولهم إنه بشر وليس بملك، وعلى الثاني تكذيب محمدءجب! ونسبة الآيات إلى السحر، وما مصدرية وتحتمل الموصولية هكذا قزره النحرير وكلام المصنف رحمه محتمل للمعنيين لكنه ترك قوله: فإذا فعلوا ذلك خذلوا الخ لأنه مبنيّ على الاعتزال وعدم نسبة خلق القبيح إليه تعالى هذا ما في بعض الحواشي وبحتملى أنه اختار الوجه الأوّل وإسناد اللبس إليه تعالى لأنه بخلقه أو للزومه لجعله رجلا ومعنى قول الشارح في حين الجعل أن المراد به مستقبل ممتد وقد يعتبر الواقع فيه كأنه في زمان واحد وقد عبر بهذه العبارة النحاة كابن هشام ومثله مما لا يرتاب فيه، فمن اعترض! عليه بأن الصواب أن الاستقبال التقديري الموقت بما بعد جعل الرسول ملكا لا بحينه وإلا لكان حالاً تقديريا، وأمّا أنّ النظر إلى زمان الجعل والحكم لا إلى زمان التكلم فليس بمطرد كما صرحوا به، فإن قلت كيف صح أنه استقبالي تقديري موقت بحين الجعل ولو للشرط في الماضي والجواب مترتب على الشرط فيكون بعده لا معه في حين واحد قلت ما ذكرته هو الأصل في استعمالها وقد استعملت للاستقبال أيضا، ووردت في كلام العرب كذلك كقوله:
ولو أنّ ليلى الأخيلية سلمت ~ عليّ ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ~ إليها صدى من جانب إلقبر صائح
وأعلم أنّ بعض الفضلاء قال هنا أن المقرّر فيما بين القوم إن صدق العكس لازم لصدق الأصل فعلى ذلك التقدير يلزم من كذب اللازم كذب الملزوم فهاهنا عكس القضية الصادقة، وهي قولنا لو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا غير صادق، لأن عكسها لو جعلناه رجلا لجعلناه ملكاً وليس كذلك لأنه تعالى قد جعله رجلا ولم يجعله ملكا فكيف يكون قضية العكس وهو كاذب، والأوّل صدق محض فإن قيل إنه اصطلاح طرأ ولا يجب موافقة قاعدتهم لقاعدة اللغة قيل إنه تقرّر أنّ تلك القاعدة غير مخالفة لقاعدة اللغة وأنها مما لا خلاف فيه.
وأجيب بأنّ لو تستعمل في اللغة لمعنيين الأول: انتفاء الثاني لانتفاء الأوّل الثاني: أن
الخبر الأوّل لازم الوجود في جميع الأزمنة إذا كان نقيض الشرط أليق باستلزام الجزاء فيلزم وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه كما في نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، وقد صرح المحققون بأن الآية سواء جعل ضمير جعلناه للمطلوب أو للرسول إمّا من قبيل الأوّل أي ولو جعلنا قرينا لك ملكا يعاينوه أو الرسول المرسل إليهم ملكا لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل، وما جعلنا ذلك الملك في صورة رجل لأنا لم نجعل القرين أو الرسول المرسل إليهم ملكا وأمّا من قبيل الثاني أي ولو جعلنا الرسول ملكاً لكان في صورة رجل فكيف إذا كان إنساناً وكل منهما لا يقبل العكس المذكور ولا ثالث فلا إشكال وليس محل البسط فيه، وإنما ذكرته لأنبهك فلا تكن من الغافلين. قوله:) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (يصح في التسلية أن تكون بقوله ولقد استهزئ برسل من قبلك فقط، ويحتمل أنها به مع ما بعده لأنه

الصفحة 24