كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

متضمن أن من استهزأ بالرسل عوقب فكذا من استهزأ بك إن أصرّ على ذلك فلا تلتفت إلى من تكلف هنا ما لا حاجة إليه. قوله: (سخروا منهم) في القاموس هزأ منه وبه وسخر منه وبه، فهما متحدان معنى واستعمالاً فلا وجه لما قيل السخرية والاستهزاء بمعنى لكن الأوّل! قد يتعدى بمن والباء لكن في الدرّ المصون إنه لا يقال إلا استهزى به ولا يتعدى بمن، ثم قال الجارّ متعلق بسخروا والضمير راجع إلى الرسل وقيل إلى المستهزئين وقيل إلى أمم الرسل ومن للبيان، ويردّ الأول بأنه يؤول المعنى إلي فحاق بالذين سخروا كائنين من المستهزئين، ولا فائدة لهذه الحال لانفهامها من سخروا، والثاني بأنه يلزم إرجاعه إلى غير مذكور والجواب أنه مبنيّ على أنّ الاستهزاء والسخرية بمعنى وليس بلازم لأنّ من فسره بهذا يجوز أن يجعل الاستهزاء بمعنى طلب الهزء فيصح بيانه ولا يكون في النظم تكرار، قال الراغب رحمه الله: الاستهزاء ارتياد الهزء وان كان قد يعبر به عن تعاطي الهزء كالاستجابة في كونها ارتياداً للإجابة وان كانت قد نجري مجرى الإجابة انتهى، وأمّا رجوع الضمير إلى الأمم فقد ذكره الحوفي ورده أبو حيان بما ذكر وأجاب عنه في الدر المصون بأنه في قوّة المذكور. قوله: (فأحاط بهم الذي كانوا يستهزؤون به) فسر حاق بمعنى أحاط وفسره الفراء يعاد عليه
وبال أمره، وقيل دار وقيل نزل ومعنإه يدور على الإحاطة والشمول ولا يستعمل إلا في الشر قالط:
فأوطاً جرد الخيل عقر ديارهم وحاق بهم من باس ضربة حائق
وقال! الراغب أصله حق فأبدل من أحد حر في التضعيف حرف علة كتطنب وتطنيب أو
هو مثل ذمّة وذامة والمعروف في اللغة ما ذكره المصنف رحمه الله قال الأزهريّ: جعل أبو إسحق صاق بمعنى أحاط وكان مادته من الحوق وهو ما استدار بالكمرة وخالفه بعض أهل اللغة فقال إنه يائيّ بدليل حاق يحيق. قوله: (حيث أهلكوا لآجله الخ) قيل إنه يعني إن حاق بهم كناية عن إهلاكهم فإسناده إلى ما أسند إليه مجاز عقليّ من قبيل أقدمني بلدك حق لي على فلان، ولقد أغرب من بين المراد بقوله تعالى: {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} فقال من العذاب الذي كان الرسول يخوّفهم نزوله فلا تجوّز في الإسناد ولا في المسند إليه فإنه لا دليل على أنّ المراد بالمستهز! به هو العذاب بل المرسل، وبعد تسليمه فقد اعترف بأنّ المراد بالحيق بهم الإهلاك ومعلوم من مذهب أهل الحق أنّ المهلك ليس إلا الله تعالى فإسناده إلى غيره لا يكون إلا مجازا (قلت) ما رذه واستغربه هو ما اختاره الإمام الواحدي واستهزاؤهم بالرسل مستلزم لاستهزائهم بما جاؤوا به وما توعدوا به ومثله لظهوره لا يحتاج إلى قرينة وما توعدوا به هو العذاب، وحيقه بهم لا شبهة في أنه حقيقة، وأمّا تفسيره بالإهلاك فليس تفسير الحاق بل بيان لمؤدي الكلام، ومجموع معناه فلا يرد ما ذكره عليهم. قوله: (أو فنزل بهم وبال استهزائهم) نزل تفسير لحاق وقوله: (وبال) إشارة إلى أنه على تقدير مضاف كوبال وعقوبة، وما مصدرية والضمير للرسول الذي في ضمن الرسل أو هي موصولة، أو هو من إطلاق السبب على المسبب لأنّ المحيط بهم هو العذاب، ونحوه لا المستهزأ لكنه وضحع موضعه مبالغة كما قاله الطيبي. قوله: (عاقبة المكذبين الخ) العاقبة مآل الشيء مصدر كالعافية وكيف خبر مقدم لكان أو حال وكان تامة، وقوله كيف أهلكهم يميل إليه، وكي تعتبروا علة للأمر بالنظر، وعذاب الاستئصال من إضافة العام للخاص والاستئصال قلع الشيء من أصله وإنما فسر به لأنّ الإهلاك بدون الاستصال لا يختص بالمكذبين هذا، وقد قيل إنما عبر عنهم بالمكذبين دون المستهزئين إشارة إلى أن مآل من كذب إذا كان كذلك فكيف الحال في مآل! من جمع بينه وبين الاستهزاء وأورد عليه أن تعريف المكذبين للعهد وهم الذين سخروا فيكونون جامعين بينهما وقد اعترف به هذا القائل أيضا مع أنّ الاسنهزاء بما جاؤوا به يستلزم تكذيبه فتأمّل. قوله: (والفرق بيتة وبين قوله قل سيروا في الأرض فانظروا الخ) في الكشاف فإن قلت أيّ فرق بين قوله فانظروا وبين قوله ثم انظروا قلت جعل النظر مسببا عن السير في قوله: فانظروا فكأنه قيل سيروا لأجل
النظر ولا تسيروا سير الغافلين وأما قوله: {سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ}

الصفحة 25