كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

أنه تقريع لهم وتوبيخ. قوله: (ثقرير لهم) التقرير له معنيان الحمل على الإقرار والتثبيت بأن يجعله قاراً متمكنا ومنه تقرير المسألة وكلاهما مما نطقت به كتب اللغة كما ذكره الطيبي رحمه الله ومعناه على الثاني أنه تقرير للجواب لأجلهم أي نيابة عنهم كما في الكشف، وعلى لأوّل إلجاء إلى الإقرار بأن الكل له، لأن هذا من الظهور بحيث لا يقدر على إنكاره أحد كما قاله النحرير، وأفاد الإمام أن أمر السائل بالجواب إنما يحسن في موضع يكون فيه الجواب قد بلغ من الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر ولا على دفعه دافع وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وتنبيه الخ قيل وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا في الجواب مع تعينه لكونهم محجوجين، يعني أنه سألهم وأجاب عنهم لتعين الجواب فإنه لا يمكن خلافه فهو بمعنى قوله. {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [سورة آلى عمران، الآية: 64، وهو دقيق جداً. قوله: (كتب على نفسه الرحمة الخ) النفس هنا بمعنى الذات كما في قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 28] وفي شرحي التلخيص والمفتاح في بحث المشاكلة أن منها قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [سورة المائدة، الآية: 16 ا] وكذا قال المصنف في المائدة، وأورد عليه أن معنى النفس ذات الشيء مطلقا كما في
الجوهري والكشاف ويؤيده هذه الآية فلا يحتاج إلى المشاكلة واعتبار المشاركة التقديرية غير ظاهر فلذا اختار قدس سره في وجه+ المشاكلة أنه لكونه عبر عن لا أعلم معلومك بلا أعلم ما في نفسك للمشاكلة لوقوع التعبير عن تعلم معلومي بتعلم ما في نفسي لكنه قدس سره قال في شرح الكشاف في وجه إطلاق النفس على القلب إن ذات الحيوان به تكون، وهذا التعليل كما قيل يشعر باختصاص النفس بذات الحيوان، وفيه نظر وتأمل.
(قلت) التحقيق كما مر أن جعل العلم في النفس يقتضي إنه علم بارتسام صورة تنتقش
في النفس، ومثله لا يوصف به الله تعالى فالمشاكلة ليست في لفظ النفس في الآية بل في ظرفية العلم لها فقول المصنف في المائدة الآية من المشاكلة، وقيل المراد بالنفس الذات ليس بظاهر إلا أن يقال النفس مشتركة بين معنيين أحدهما يطلق عليه تعالى، والآخر لا يطلق عليه وهي هنا بالمعنى الثاني بقرينة مقابلها فيحتاج إلى المشاكلة، وبهذا يصح أن يقال إنّ المشاكلة في النفس وبه يجمع بين التوجيهين ويتضح تلاقي الطريقين، ومن هذا ظهر أنه لا يتوجه ما قيل أما قوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} فقد قيل إنه للمشاكلة وإن أريد به الذات، وليس بشيء لأنّ مبناه على أنه لولا قوله تعلم ما في نفسي لم يجز أن يقال، ولا أعلم ما في نفسك لعدم إذن الشرع في إطلاقه عليه تعالى ويبطله الآيتان ا! ، وأمّا ما مر من قول النحرير في وجه إطلاق النفس على القلب الخ. وما أورد عليه فغير وارد لأنه بيان لتجوّز آخر فيه وهو إطلاقه على القلب فتأمل. قوله: (التزمها تفضلاَ الخ) ردّ للوجوب عليه تعالى الذي هو مذهب الحكماء والمعتزلة، ولذا غير ما في الكشاف إلى ما ذكره وقوله: ومن ذلك الهداية الخ توجيه لارتباط الآية بما قبلها، وما بعدها ليأخذ الكلام بحجزه وهو ظاهر. قوله: (اسئشاف وقسم الخ) قيل هو استئناف نحوي لا بياني ومن حمله على الثاني وقال في بيانه كأنه قيل وماتلك الرحمة فقيل إنه تعالى. {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} وذلك لأنه لولا خوف الحساب والعذاب لحصل الهرج والمرج وارتفع الضبط وكثر الخبط أورد عليه أنه إنما يظهر ما ذكر هل لو كانوا معترفين بالبعث وليس كذلك، ثم إنّ قوله إنه تعالى ليجمعنكم ليس بصحيح، وصوابه يجمعكم لفقد شرط لحوق النون في كلامه انتهى، وهو ردّ لما وقع في اللباب، وهو في الحقيقة تكلف لا يتوجه فيه الجواب إلا باعتبار ما يلزم التخويف من الامتناع عن المناهي المستلزم للرحمة وكلام المصنف رحمه الله لا يناسبه فلا ينزل عليه وأمّ المناقثة في العبارة فغير واردة لأنها المشاكلة ما وقع في النظم أو لحكايته، وقد وقع هذا التركيب في مواضع من القرآن وللنحاة فيه أقوال فذهب بعضهم إلى أنّ اللام بمعنى أن المصدرية وليست قسمية وهو بدل مما قبله بدل مفرد من مفرد، وردّه ابن عطية بأنه لا وجه لدخول النون حينئذ لأنه ليس من مواضعها واعتذر له أبو حيان بأنها
دخلته لكونه على صورة القسم، وقيل إنها قسمية مستأنفة كما مز وقيل إنه اجواب لقوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لأنه يجري مجرى القسم وقوله: على إشراكهم واغفالهم النظر هو مأخوذ من مضمون الآيات السابقة. قوله: (مبعوثين إلى يوم القيامة الخ) أي

الصفحة 27