كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

هو متعلق بمبعوثين من بعث بمعنى أرسل لا بمعنى أهب فلا يحتاج تعديته بإلى إلى تضمين شيء آخر كالضم والانتهاء، ولا جعله حالاً إلى توجيه فإنّ من مات مرسل إلى يوم القيامة وفيه أنّ البعث يكون إلى المكان لا إلى الزمان إلا أن يراد بيوم القيامة واقعتها في موقعها كقولهم شهد يوم بدر أي واقعته، أو هو لغو متعلق بيجمع كما مرّ في سورة النساء. قال الزمخشريّ: فيها المراد جمع فيه معنى السوق والاضطرار كما تقول حشرت اليوم إلى موضع كذا فوصل الجمع بإلى إلى هذا المعنى كما قيل ليبعثنكم ويسوقنكم ويضطرنكم إلى يوم القيامة أي إلى حسابه، وبهذا اندفع ما مرّ من أنّ البعث يكون إلى المكان كما مرّ فتأمّل 0 قوله: (وإلى بمعنى في) كما ذكر. النحاة واستشهدوا بقوله:
فلا تتركني بالوعيد كأنني إلى الناس مطليّ به القارأجرب
وتأوّله بعضهم بتضمين مضافا أو مبغضا أو مكرهاً، وقال ابن هشام: لو صح مجيء إلى بمعنى في لجاز زيد إلى الكوفة بمعنى في الكوفة ولا يرد إلا إذا قيل إنه قياسيّ مطرد وقيل إنها بمعنى اللام وقيل زائدة. قوله: (وقيل بدل من الرحمة بدل البعض) على أنه جملة لا مفرد كما مز، وقد ذكر النحاة أنّ الجملة تبدل من المفرد ولم يتعرّضوا الأنواع البدل فيه، والمراد أنّ القسم وجوابه بدل، فلا يرد عليه أنّ الجواب لا محل له من الإعراب، وإذا كان بدلاً يكون في محل نصب فيتنافيان، واستغنوا عن ذكر القسم بهذه الجملة، لأنها مذكورة في اللفظ كما يقولون جملة القسم والمراد القسم وجوابه فيستغنون بذكر أحدهما عن الآخر لا سيما إذا كان محذوفا كما في الدرّ المصون. قوله: (لا ريب) حال من اليوم أو صفة لمصدر أي جمعاً لا ريب فيه، ويحتمل أنّ الجملة تأكيد لما قبلها كما مرّ في ذلك الكتاب لا ريب فيه، ثم إعلم أنّ ظاهر قول المصنف رحمه الله وانعامه ربما يفهم منه أنّ خطاب ليجمعنكم عام للمؤمنين والكافرين بعد كونه خاصا بالكافرين وربما يذهب إلى تخصيصه بما مرّ، وتفسير الأنعام بعدم استئصالهم، وتعجيل العذاب أو نعمة الإيجاد ونحوها وفيه بعد. قوله: (بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية الخ) هذا جواب عما يقال إنّ الخسران مترتب على عدم الإيمان وقد عكس في النظم فلما فسر الخسران بعدم الفطرة والعقل اندفع المحذور وظهر الترتب المذكور، وفي الكشاف فإن قلت كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرانهم، والأمر على العكس قلت معناه الدّين خسروا أنفسهم في علم الله لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون، قال النحرير: هذا يشعر بانّ
الفاء تفيد السببية، وان لم تكن داخلة على الخبر عن الموصول مع الصلة، وقد سلم في الجواب السببية حيث اقتصر على تفسير الخسران بحيث يصح أن يجعل سابقاً على امتناعهم عن الإيمان، وسببا له وهو الخسران في علمه تعالى ولما كان هذا يكاد أن يخالف أصول المعتزلة حيث جعل العلم بأنهم لا يؤمنون سبباً لعدم الإيمان بحيث لا سبيل لهم إليه كما هو رأي أهل السنة أشار إلى دفعه بقوله: لاختيارهم الكفر ولو قال باختيارهم لكان أظهر في المقصود يعني أنّ علم الله تعالى بأنهم يتركون الإيمان، ويؤثرون الكفر صار سببا لامتناعهم عن الإيمان باختيارهم، وأمّا عند أهل السنة فقد صار ذلك سبباً لعدم إيمانهم بحيث لا سبيل إليه أصلاً، وبهذا يندفع ما قال الإمام الرازي: إنّ هذا يدلّ على أن سبق القضاء بالخذلان والخسران هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان، وذلك عين مذهب أهل السنة انتهى فقد علمت أنّ علم الله الأزلي بالأشياء قبل وقوعها كما هي يقتضي أن تقع على وفقه ولا تتخلف عنه، وبهذا الاعتبار صح أن يقال علم الله سبب أو علة لوقوعها فالاعتراض عليه بأنّ المعتزلة لا يجعلون علم الله تعالى سبباً للمعلوم أصلاً بل يقولون إنه تبع للمعلوم كما يعترف به الأشاعرة في إثبات صفة الإرادة فهذا التوجيه يخالف أصول المذهبين، والأولى أن يقال السبب هو اختيار الكفر لا العلم به وإنما أقحم العلم لتحقيق ذلك الاختيار، ويجوز أن تجعل الفاء لاستلزام الأوّل للثاني لا للسببية، وهذا الردّ بأنّ العلم تابع للمعلوم وهم، لأنّ معنى كونه تابعاً له أنّ خصوصية العلم وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بحقيقة ذلك لشيء، وهويته وهو لا ينافي كون المعلوم تابعا له في الوجود والتحقق

الصفحة 28