كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في سورة يونس، والفطرة الخلقة وخلقة الإنسان على الفطرة والسداد، وخلافها الآفة وجعلها رأس المال استعارة لطيفة كقول عمارة:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب
ثم إنه قيل إنّ كلام المصنف رحمه الله يقتضي أنّ خسروا هنا من الخسران بمعنى عدم الربح، وهو لا يصح لأنه لازم بل المراد أنهم نقصوا أنفسهم بتضييع! الفطرة التي يتوصل بها إلى الكمال وليس كما قال لأنّ خسر متعد قال تعالى: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [سورة الحج، الآية: اا] والذي غرّه ظاهر كتب اللغة ولا عبرة به مع وروده في الكلام الفصيح، وتضييع الفطرة تركها واتباع الهوى، وقيل: إنّ السؤال يدفع من أصله بأنّ سبق القضاء بالخسران سبب لعدم الإيمان وفيه أنّ السبب حينئذ يكون القضاء به لا نفسه، والتأويل بأن السبب هو الخسران في علم الله لا يجدي فإنه إذا حقق السبب فهو العلم به، وفيه ما فيه. قوله: (وموضع الذين نصب على الذم أو رفع على الخبر) أي أذمّ أو أريد أو أعني، وقيل إنه بدل من ضمير ليجمعنكم بدل بعض من كل بتقدير ضمير، أو هو خبر مبتدأ على القطع عن البدلية أيضاً فإن قلت كيف ذكروا قطعه هنا والقطع في النعت والضمير لا ينعت قلت قال
الرضي: استدل الأخفش بهذه الآية على الإبدال من الضمير، والباقون يقولون هو نعت مقطوع للذم إمّا مرفوع الموضع أو منصوبه ولا يلزم أن يكون كل نعت مقطوع يصح اتباعه نعتا، بل يكفي فيه معنى الوصف ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا} ، [سورة الهمزة، الآية: 1] انتهى فإن قلت: يكفي جعله خبر مبتدأ مقدر أو معمول فعل مقدر ولا حاجة إلى ارتكاب ما ذكر قلت كأن الذي دعاه إليه أنّ مجرّد التقدير لا يفيد المدح والذم إلا مع القطع. قوله: (وأنتم الذين الخ) قدر ضمير الخطاب ليرتبط بما قبله، وهو يقتضي أنّ الخطاب قبله للكفرة وسبق الكلام فيه. قيل كان الظاهر أنتم بلا واو، وكان أصله أنه ذكر عام النصب والرفع فسقط من القلم المعطوف عليه أي أذم وأنتم ونحوه ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ الجملة على هذا التقدير معترضة أو حالية وقد صرح الطيبي رحمه الله بأنها تذييل لما قبلها وفيه نظر. قوله: (والفاء للدلالة على أنّ الخ) المتبادر بناؤه على الوجه الأخير فعلى الأوّلين يجوز أن يكون لتعليل الخسران بعدم الإيمان، وأن يكون للتفريع فيفيد السببية على الوجوه كلها كما في الكشاف، وهذا دفع للسؤال الذي أورده الزمخشرقي بطريق آخر، وهو حمل الخسران واضاعة رأس المال على الجري على ما لا تقتضيه الفطرة كما مرّ تحقيقه ولم يعرّج عليه لمخالفته للأصلين بحسب الظاهر كما مر، وهذا صريح في أنّ سببيته إنما هي لأصل عدم إيمانهم وبحسب لقائه كان سببا لبقائه ولما كان الواقع هاهنا صيغة نفي الاستقبال في لا يؤمنون كان اللازم منه هو الثاني، ولذا قال: أدى بهم إلى الإصرار على الكفر فلا تنافي بين أوّل كلامه وآخره لأنّ المراد بعدم إيمانهم عدمه في المستقبل وهو عين الإصرار. قوله: (عطف على دلّه الخ) إمّا عطف مفردين على مفردين حذف أحدهما أو عطف جملة على جملة والمقصود دخوله تحت قل ليكون احتجاجا ثانيا على المشركين وقيل إنها مستأنفة وما موصولة لا غير. قوله: (من السكنى وتعديته بفي الخ) جعله من السكنى ليتناول الساكن والمتحرّك من غير تقدير يعني كما أنّ له ما في الأمكنة له ما في الأزمنة وتعديته مبتدأ وقوله بفي خبره ومنهم من جعل الخبر قوله كما الخ وجعل قوله بفي متعلقا بتعديته والمراد أنّ تعديته بفي على الأصل في الأمكنة المحدودة، ثم أجيز حذفها من نحو دخلت وسكنت، ونزلت حيث يقال دخلت الدار ونزلت الخان وسكنت الغرفة لكثرة الاستعمال وانتصاب ما بعدها على الظرفية، وقال الجرمي: إنه مفعول به، وردّ بأنها لازمة فإنّ غير الأمكنة بعد دخلت يلزمها في نحو دخلت في الأمر وفي مذهب أبي حنيفة وكثيراً ما يستعمل في مع الأمكنة أيضا نحو سكنتم في مساكن الذين وتجيء مصادرها على الفعول؟ كذا قال الرضي: وأورد عليه أنه يفهم منه لزوم في هذا المقام فإنّ الليل
والنهار ليسا من الأمكنة، والجواب عنه أنّ مراده بقرينة المثال الظرف المجازي وأيضا السكنى

الصفحة 29