كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

آذن بتقوية حكم إنكار أنّ الله هو الآذن لا حصول الإذن مطلقاً. ألا ترى كيف استشهد به لقوله لأنّ الإنكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الوليّ، وكيف يوهم تقديم المعمول والتركيب من باب تقوّي الحكم مثله في قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [سورة الزمر، الآية: 23] وقد قال فيه المصنف وايقاع اسم الله مبتدأ، وبناء نزل عليه فيه تفخيم لا حسن الحديث، وتأكيد لاستناده إلى الله وأنّ مثله لا يجوز أن يصدر إلا منه، فظهر أنّ المراد بالتقديم في قوله: فكان أولى بالتقديم الاهتمام دون التخصيص، واليه ينظر قول المفتاح فلا يحملى قوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} [سورة يونس، الآية: 59] على التقديم فليس المراد أنّ الإذن يكون من الله دون غيره، لكن أجمله على ابتداء أمر مراد منه تقوية حكم الإنكار، ويردّ هذا برمّته أنّ العلامة صرح بخلافه في مواضع من كثافه، وكذا نقله عنه هذا القائل أيضا في تفسير قوله: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [سورة الأحزاب، الآية: 4] ، قد قال فيما كتبه هناك إنّ مثل {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} [سورة الرعد، الآية: 26] عنده يفيد الحصر، فكلامه متناقض ولم يعرّج عليه أحد من شراح الكشاف، ومقتضى كلام النحرير أنّ القول بالحصر وعدمه دائر على تفسير الإنكار مع أنّ السكاكي لا يقول بإفادة أمثاله الحصر بوجه من الوجوه فكيف يتأتى التوفيق به فتأمّل، وقد وفق بينهما في عروس الأفراج بوجه آخر لا يعوّل عليه. قوله: (والمراد بالولئ المعبود لأنه رذ لمن دعاه إلى الشك) أي المراد به هنا
ذلك لأنّ تعريفه لا يعهد، وتيل إنّ! المشرك لم يخص عبادته بغير الله حتى يكون لرذه فالرد عليه " تخذ غير الله ولياً ويدفعه أنّ من أشرك بالله غيره لم يتخذ الله معبوداً لأنه لا يجتمع عبادته تعالى مع عبادة غيره كما قيل:
إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك وانفصل الكلام
وقيل إنه لو فسر بالناصر لعلم أنه لا يتخذه معبوداً بالطريق البرهاني وقوله: رذ لمن دعاه
إلى الشرك لأنه ذكر في سبب النزول أنهم قالوا له صلى الله عليه وسلم: إن آباءك كانوا على ديننا، وإنما تركت ذلك للحاجة، فارجع عن هذا لنغنيك والكلام يحتمل أنه من الإخراج على خلاف مقتضى الظاهر قصداً إلى إمحاص النصح ليكون أعون على القبول كقوله تعالى: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة ي! ، الآية: 22] . قوله: (وجره على الصفة الخ (وقيل على البدلية، ورجحه أبو حيان بأنّ الفصل فيه أسهل، وجعله بمعنى الماضي لتكون إضافته حقيقية، فتوصف به المعرفة، وهو ماض سواء كان كلاما من الله ابتداء أو محكياً عن الرسولءلمجب! ، لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم فمن قال: والدليل عليه كون النبيّ صلى الله عليه وسلم مأمورا بهذا القول، ولا ينافيه كونه من الكلام القديم كما في قراءة فطر، ولو سلم فيجوز أن يكون من قبيل التعبير بالماضي عما سيوجد بناء على تحققه بالنظر إلى كونه قديما، وعلى حقيقته بالنظر إلى كونه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى. فقد تعسف لأنّ اسم الفاعل حقيقة في الحال والاستقبال فتأويله بالماضي، ثم تأويل الماضي بالمستقبل تكلف لا داعي إليه والنصب على المدح أو على البدلية من وليا لا الصفة لأنه معرفة وعلى قراءة فطر فهو صفة فتأمّل. قوله: (يرزق ولا يررّق) يعني المراد بالطعم الرزق بمعناه اللغوي وهو كل ما ينتفع به بدليل وقوعه مقابلا له في قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 57، فعبر بالخاص عن العام مجازا لأنه أعظمه وأكثره لشدة الحاجة إليه واكتفى بذكره عن ذكره لأنه يعلم من نفي ذلك نفي ما سواه فهو حقيقة، وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما يعني أنه خص هذا بالذكر، أو خص بالتعبير به عن جميع المنافع دون اللباس، وغيره لشدة الحاجة كما خص الربا بالأكل والمقصود مطلق الانتفاع. قوله: (وقرئ ولا يطعم بفتح الياء) أي وبفتح العين، وهي عن أبي عمرو وجماعة بمعنى يكل والضمير لله، وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الياء وكسر العين. وقوله: (والمعنى) يعني معنى القراءة بالعكس، وهي قراءة يعقوب رحمه الله، فإن قيل الكلام مع عبدة الأصنام والصنم لا يطعم كما أنه لا يطعم أجيب بأنه ورد على زعمهم في إطعام الأصنام
وافرازهم لها حصة من الطعام، قيل: ولا مجال لأن يقال صح ذلك بالنظر إلى إطلاق غير الله تعالى فإن منه من يطعم

الصفحة 31