كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

كالمسيح من معبودات الكفرة فغلب لأن المسيح يطعم ألا ترى إلى إنزالط المائدة، فإن قيل المطعم حقيقة هو الله تعالى قلت بلى، ولكن النظر هنا ليس مقصوراً على الحقيقة ألا ترى إلى قوله ما هو نازل عن رتبة الحيوانية فإن إطعام الحيوانات بألبانها وبيوضها وصيودها المخلوقة لله تعالى، وهو يصح جوابا عن كلام الكشاف، وهذا ردّ على بعض أرباب الحواشي، إذ وجه كلام المصنف رحمه الله بما وجه كلام الكشاف مع ما في كلام المصنف مما يأبا. وليس كذلك، لأنه يصح أن يكون مراده " تخذ من هو مرزوق غير رازق وليا والكلام، وان كان مع عبدة الأصنام إلا أنه نظر إلى عموم غير الله وتغليب أولي العقول، لأنّ فيه إنكار أن تصلح الأصنام للألوهية بالطريق الأولى كما في الكشف فتقدير كلامه أنا لا أشرك به من يطعم ولا يطعم فكيف أشرك به من هو أحط مرتبة منه ولا مانع من حمله على الحقيقة بدليل تفسيره بيرزق فإنّ الله هو الرزاق، وقيل إنه كناية عن كونه مخلوقا غير خالق كقوله تعالى: {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [سورة النحل، الآية: 20، ثم إنه قد مرّ أن لا يطعم مجاز عن معنى لا ينفع، فلا يرد السؤال رأسا. قوله: (وبنائهما للفاعل) بالجرج عطف على فتح الياء أو عكس الأوّل ووجهت إمّا بأن أفعل بمعنى استفعل كما ذكره الأزهري ومعنى لا يستطعم لا يطلب طعاما ويأخذه من غيره، أو المعنى أنه يرزق من يشاء ويمنع من لا يشاء كقوله: (لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت) والضميران لله ورجوع الثاني لغير الله تكلف يحتاج إلى التقدير. قوله: (لآنّ النبئ صلى الله عليه وسلم سابق أمّتة في الدين) أي في دينه لأنّ الشارع وكل نبيّ مأمور بما شرعه إلا ما كان من خصائصه وفيه إرشاد إلى أنّ كل آمر ينبغي أن يكون عاملاً بما أمر به لأنه مقتداهم كما قال تعالى حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 143] وسيأتي تحقيقه في آخر هذه السورة وقيل إنه للتحريض كما يأمر الملك رعيته بأمر ثم يقول وأنا أوّل من يفعل ذلك ليحملهم على الامتثال وإلا فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم امتناع عن ذلك حتى يؤمر به. قوله: (وقيل لي ولا تكونن ويجورّ عطفه على قل الما لم يصح عطفه على أكون إذ لا وجه للالتفات، ولا معنى لقوله: أمرت أن تكونن أوّله بوجهين تقدير قيل لي وعطفه حينئذ على أمرت أي إني قيل لي: لا تكونن من المشركين بمعنى أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك قالوا: ومن الحكاية عاطفة للقول المقدر، وقيل: إنه معطوف على مقول قل على المعنى إذ هو في معنى قل إنى قيل لي كن أوّل مسلم ولا تكونن الخ قالوا ومن المحكيّ، والوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله وهو عطف النهي على قل فأمر حاشية الثهاب / ج 4 / م 4
بأن يقول كذا ونهى عن كذا وجه ثالث، ولبعضهم فيه خبط هنا نحن في غنى عن ذكره، وقيل على هذا الوجه إنّ سلاسة النظم تأبى عن فصل الخطابات التبليغية بعضها عن بعض بخطاب ليس منها، وقيل يجوز أن يعطف على أني أمرت داخلا في حيز قل، والخطاب لكل من المشركين، ولا يخفى تكلفه وتعسفه. قوله: (مبالنة أخرى في قطع أطماعهم الخ) المبالغة الأولى تفهم من جعله أوّل! مسلم، فكيف يرجى منه خلافه ووجه التعريض فيه إسناد ما هو معلوم الانتفاء بأن التي تفيد الشك تعريضا، وجيء بالماضي إبرازاً له في صورة الحاصل على سبيل الفرض تعريضاً بمن صدر عنهم ذلك كما إذا شتمك أحد فتقول لئن شتمني الأمير لأضربنه قال النحرير في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر، الآية: 65] ولا يخفى أنه لا معنى للتعريض بمن لم يصدر عنه الإشراك وان ذكر بالمضارع لا يفيد التعريض لكونه على أقله. وقوله: (لا معنى الخ) ردّ لتوهم أنّ التعريض نشأ من إسناد الفعل إلى من لم يصدر منه بل من يمتنع منه لا من صيغة الماضي، ووجهه أنه لا يتعارف التعريض بالنسبة إلى من لم يصدر عنه الفعل في الاستقبال فتأمّل. قوله: (والشرط معترض الخ) ما تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب معنى فهو دليل عليه وليس إياه خلافاً للكوفيين، والمبرد ولا يكون الشرط غير ماض! إلا في الشعر كما قرّره النحاة، ولم يخالف في لزوم مضيه إلا بعض الكوفيين، والتزم المضيّ طلباً للتشاكل لئلا يظهر فيه تأثير الأداة ثم إنّ النحاة صوّروه ومثلوه بما إذا تقدم الجزاء بجملته وبما إذا تقدم بعضه عليه كقوله:
يثني عليك وأنت أهل ثنائه ولديه إن هو يستزدك مزيد

الصفحة 32