كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

كما في شرح التسهيل للمرادي وما نحن فيه من القبيل الثاني والصحيح عند النحاة أنه
دليل الجواب والجواب محذوف وجوبا لوجود قائم مقامه كالاشتغالط بدليل عدم جزمه وتصديره بالفاء وافتراق معنييهما ففي التقدم بنى الكلام على الجزم، ثم طرأ التوقف وفي التأخر بنى الكلام من أوّله على التوقف فقوله جوابه محذوف جار على القول الأصح وتقديره أخف عذاب يوم عظيم، وقيل صرت مستحقا لعذاب ذلك اليوم، ثم إنه لما كان تعريضاً وكان المراد تخويفهم إذا صدر منهم ذلك لم يكن فيه دلالة على أنه يخاف هو مع أنه معصوم كما لا يتوهم مثله في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر، الآية: 65] فلا يرد عليه ما قيل إنّ فيه بحثاً من وجوه، الأوّل إنّ الجواب هو أخاف قدم على الشرط، وهو إما جواب لفظاً ومعنى أو معنى فقط وعلى كل حالط فلا حاجة إلى التقدير للاستغناء عنه، الثاني أنه لا انتظام، لأن يقال إني أخاف إن عصيت صرت مستحقاً للعذاب عذاب يوم عظيم، ولو قدر الجزاء بعد مفعول أخاف صار كبيت الفرزدق، الثالث أن الآية دلت على أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاف على نفسه الكفر والمعصية، وليس كذلك لعصمته ثم أجيب بأنّ الخوف تعلق بالعصيان الممتنع الوقوع
امتناعاً عاديا فلا يدل إلا على أنه يخاف لو صدر عنه الكفر والمعصية، وهذا لا يدل على حصول الخوف، وهذا الجواب لا يتمشى على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بل على ما قلنا لا يقال على تقدير العصيان والكفر يكون الجواب هو استحقاق العذاب لا الخوف لأنا نقول لا منافاة بينهما فالخوف إمّا على حقيقته أو كناية عن الاستحقاق، وقيل معنى أخاف خوفه على أمّته وأنت في غنى عن هذا كله بما مرّ تقريره 0
قوله: (أي يصرف العذاب عته) فنائب الفاعل ضمير العذاب وضمير عته يعود على من، ويجوز عكسه ومن مبتدأ خبره الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف، والجملة مستأنفة أو صفة عذاب ولظرف متعلق بالفعل أو قائم مقام فاعله وقوله والمفعول به محذوف وهو العذاب أو العائد، والمضاف الذي قدره هول أو عقاب ونحوه، أو اليوم عبارة عما يقع فيه كما مرّ في مالك يوم الدين، وتركه المصنف هنا، لأنه إذا جعل كناية عما يقع فيه احتاج إلى عناية تشصيصه بالهول، وعلى تجويز أن يكون يومئذ قائما مقام الفاعل فهل يحتاج إلى تقدير مضاف أم لا قيل لا بد منه لأنّ الظرف غير التامّ أي المقطوع عن الإضافة كقبل وبعد لا يقوم مقام الفاعل إلا بتقدير مضاف ويومئذ له حكمه، وفي الدرّ المصون إنه لا حاجة إليه، لأن التنوين لكونه عوضا يجعلى في قوّة المذكور خلافا للأخفش، وهذا مما يحفظ. قوله: (نجاه وأنعم عليه) إشارة إلى قول الزمخشريّ فقد رحمه الله الرحمة العظمى وهي النجاة كقولك إن أطعمت زبدا من جوعه فقد أحسنت إليه تريد فقد أتممت الإحسان إليه أو فقد أدخله الجنة لأنّ من لم يعذب لم يكن له بد من الثواب. قال النحرير: لما اتحد الشرط والجزاء احتيج إلى التاويل ليفيد فعلى الأوّل يكون من قبيل من أدرك الضمان فقد أدرك المرعى، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ألله ورسوله، ومن قبيل صرف المطلق إلى الكامل يعني إذا كان الجواب عين الشرط لفظاً ومعنى كما في الحديث أو معنى بحيث يكون لازما بيناً له أو مآل معناه مآله، وقيده الطيبي بما إذا كان الجزاء مطلقا فإنه يدل على عظم شأن الجزاء كقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [سورة آل عمران، الآية: 185] أي فقد حصل له الفوز المطلق البليغ وكذا قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 192] أي الخزي العظيم، وعلى الثاني من ذكر الملزوم وارادة اللازم لأنّ إدخال الجنة من لوازم الرحمة إذ هي دار الثواب اللازم لترك العذاب، ونقض بأصحاب الأعراف قيل ولأجل هذا ترك المصنف تفسيره بالجنة، ولك أن تقول قوله وذلك الفوز الخ حال مقيدة لما قبله والفوز المبين إنما هو بدخول الجنة لقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}
[سورة آل عمران، الآية: 185] . قوله:) ودّلك الفوز المبين أي الصرف أو الرحم الخ (يعني أنّ اسم الإشارة مراد به الصرف الذي في ضمن يصرف أو الرحمة، وذكر لتأويل المصدر بأن والفعل، والمصنف قدره الرحم لعدم احتياجه للتأويل، وهو بضم فسكون أو بضمتين كما في القاموس، وما قيل إنه نظير قوله صلى الله عليه وسلم " أن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتربه فيعتقه " يعني بالشراء المذكور، وانّ

الصفحة 33