كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

إذ الآحاد غايتها العشرات، وقال المصنف رحمه الله في شرح المصابيح السبعة تستعمل في الكثرة يقال سبع الله أجرك أي كثره، وذلك أن السبعة عدد كامل جامع لأنواع العدد كله إذ الأعداد إمّا زوج أو فرد، واما زوج زوج وأما زوج فرد، فالزوج هو الاثنان والفرد هو الثلاثة وزوج الزوج هو الأربعة، وزوج الفرد هو الستة والواحد ليس من الأعداد عندهم لكنه منشأ العدد فالسبعة ستة وواحد فهي مشتملة على جملة أنواع العدد ومنشئها فلهذا استعمل في التكثير اهـ، وقيل إنها جامعة للعدد لأنه ينقسم إلى فرد وزوج وكل منهما إما أوّل، وأما مركب فالفرد الأوّل الثلاثة والمركب الخمسة والزوج الأوّل اثنان، والمركب أربعة وينقسم إلى منطق كأربعة وأصم كستة والسبعة تشمل جميعها فإذا أريد المبالغة جعلت آحادها عشرات ثم عشراتها مئات، وهذه مناسبات ليس البحث فيها من دأب التحصيل.
قوله: (إشارة إلى أنّ اليأص الخ) اليأس ضد الرجاء، والإياس جعله ذا يأس فكان الظاهر الإياس، وقوله لعدم قابليتهم لخلقهم كفاراً والكفر صارف عن المغفرة لأنه يغفر ما عداه، وان كان ذلك ممكنا بالذات كما يشعر به تعبيره بالصمارف، وفسر الفسق بشذة الكفر، وعتوّه ليكون ذكره مع الكفر منتظما. قوله:) وهو كالدليل على الحكم السابق الخ) أي سببية كفرهم لعدم المغفرة لأن المراد به كفر طبعوا عليه، وهو مرض خلقي لا يقبل العلاج، ولا يفيد فيه الإرشاد فالمراد بالهداية الدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنها واقعة فمن قال الدليل هو الآية
السابقة لا هذه فقد وهم. قوله: (والتنبيه على عذر الرسول صلى الله عليه وسلم في استغفاره) وهو مجرور عطف على الدليل وجوّز رفعه بالعطف على محل الجارّ والمجرور، وقد قيل: إنه لا عذر عن الاستغفار الثاني بعد نزول الآية إلا أن يقال بتراخي نزول قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} الخ عن قوله استغفر لهم، وقيل هذا العذر إنما يصح لو كان استغفاره للحيّ كما مرّ عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه نظر، وقوله بعد العلم بموتهم كفارأ أو إعلامه ذلك بالوحي. قوله: (بقعودهم عن النزو خلفه الخ) يعني مقعد مصدر ميمي بمعنى القعود، وخلاف ظرف بمعنى خلف، وبعد كما استعملته العرب بهذا المعنى، وتيل مقعد اسم مكان والمراد به المدينة، وقال المخلفون: ولم يقل المتخلفون لأنه كف منع بعضهم من الخروج فغلب على غيرهم أو المراد من خلفهم كسلهم أو نفاقهم، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم في التخلف، أو لأنّ الشيطان أغراهم بذلك وحملهم عليه كما في الكشاف، واستعمال خلاف بمعنى خلف لأن جهة الخلف خلاف الإمام. قوله: (ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة (فهو مصدر خالف كالقتال فيصح أن يكون حالاً بمعنى مخالفين لرسول الله جمز أو مفعولاً لأجله أي لأجل مخالفته لأن قصدهم ذلك لنفاقهم، ولا حاجة إلى أن يقال قصدهم الاستراحة، ولكن لما آل أمرهم إلى ذلك جعل علة فهي لام العاقبة، وهو علة إما للفرج أو للقعود. قوله:) إيثارا للدعة والخفض (الدعة الراحة، والتنعم بالمآكل والمشارب والخفض بمعناه وكرهوا مقابل فرج مقابلة معنوية لأنّ الفرج بما يحب، وقوله عليها أي الدعة والمهج جمع مهجة وهي هنا بمعنى الأنفس، وإن كان أصل معناه الروج أو القلب أو دمه ووجه التعريض ظاهر، لأن المراد كرهوه لا كالمؤمنين الذين أحبوه والتثبيط التعويق كما مرّ، وقوله: وقد آثرتموها الخ فسر به ليرتبط بما قبله. قوله:) أن مابهم إليها الخ (تقدير لمفعول يفقهون أي لو كانوا يعلمون أن مرجعهم النار، أو لو كانوا يعلمون شدة عذابها لما آثروا راحة زمن قليل على عذاب الأبد وأجهل الناس من صان نفسه عن أمر يسير يوقعه في ورطة عظيمة، وقوله كيف هي تقدير آخر لمفعول يفقهون، أي لو يعلمون أحوالها
وأهوالها، وثوله ما اختاروها إشارة إلى جواب لولا المقدر. قوله: (أخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا الخ) في البحر الظاهر أنّ قوله فليضحكوا قليلاً إشارة إلى مدة عمر الدنيا، وليبكوا كثيرا إشارة إلى مذة الخلود في النار فجاء بلفظ الأمر، ومعناه الخبر فقليلاً على معناه حينئذ، اهـ ولا حاجة إلى حمله على العدم كما ذكره المصنف رحمه الله، وقال ابن عطية إنّ المعنى لما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا، وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً، وهذا يقتضي أن يكون البكاء والضحك في الدنيا كما في

الصفحة 349