كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الله إذا كان اسم استفهام أو أفعل تفضيل تقع مبتدأ يخبر عنه بمعرفة. قوله: (ويجورّ أن يكون الله شهيد هو الجواب الخ) قال الفاضل المحشي فيكون ذكره في موضع
الجواب لتضمنه الجواب لا لأنه مقصود أصليّ وأنت خبير بأنّ الظاهر في الجواب أن يذكر أن الله شهيد له ليخرج الجواب عما وقع في سبب النزول من السؤال فاللائق بالمقام هو الإخبار بأنّ الله شهيد له لينتج من الشكل الثاني أنّ ا! بر شهادة شهيد له فلا عبرة بكتم اليهود والنصارى شهادتهم ثم تأتك المقدمتان مصرّحتان في الوجه الأوّل الدّي جعل الله فيه جوابأ للسؤال. وقوله: {شَهِيدٌ} كلام مبتدأ، وقال الزمخشرقي الله شهيد بيني وبينكم هو الجواب لدلالته على أنّ الله تعالى إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له، وجعله شراحه من الأسلوب الحكيم لأنه عدل عن الجواب المتبادر إليه ليدل على أنّ أكبر شيء شهادة شهيد للرسول فإن الله أكبر شيء شهادة والله شهيد له فينتج اكبر شهادة شهيد له فلا عبرة بكتم من كتم، ووجه كونه من الأسلوب الحكيم أن السائل تلقى بغير ما يتبادر فكأنه غير ما يتطلب سواء أكان السائل النبيّ لمجيلى أو من ذكر في سبب النزول، والأوّل هو المراد لأنه لما أجاب عن سؤالهم التلقينيّ كان كأنهم أجابوه به وهذا من غريب أنواعه لأنه منتج للجواب المطلوب، ولم يذكروا مثله ولذا قال النحرير: إنه يشبه الأسلوب الحكيم ولعله مرادهم، وأمّا كونه جوابا للسؤال الواقع في سبب النزول وهو غير مذكور ففيه تأمّل لأنهم قالوا له جميه أرنا شاهداً من أهل الكتاب فعدل إلى ما ذكر فقد انكشفت لثام الأوهام فما قيل حاصله أنّ شاهدي هو الله، وقوله: لأنه سبحانه وتعالى الخ تصحيح لكون الكلام جوابآ لأقي شيء أكبر شهادة وفيه أنه ليس معنى قوله من هو من بين شهودي لأنّ المقام يأباه حتى يقال إذا كان الله الشهيد كان أكبر شيء شهادة بل معناه من أكبر شهادة لو شهد ليقولوا الله فيقول هو شاهدي وما ذكره الزمخشريّ أقرب إلى الصواب لأن الغرض من السؤال بأفي شيء أكبر شهادة أنّ شاهدي أكبر شهادة فقوله شهيد الخ تنصيص له والسؤال المذكور لا يحتاج إلى جواب لكونه معلوماً بينا عند الخصم أيضاً لحاصله أنّ الله الذي هو أكبر شهادة شهد بذلك فتأمّله، والمصنف قصد تطبيق الجواب على السؤال لكته غفل عما قلنا ثم إنّ هذا ليس من أسلوب الحكيم كما ظن أمّا بالنظر إلى أيّ شيء أكبر شهادة فلوحدة السائل ولا ينفعه كون الجواب من قبل المشركين وأمّا بالنظر إلى قولهم أرنا من يشهد لك فللموافقة بين السؤال والجواب فتأمّل (وهاهنا نكتة ينبغي التنبيه عليها) وهو أنّ المقابل للخير الشرّ وقد قابله بالضرّ وهو أخص منه وهذا من خفيّ الفصاحة كما قال ابن عطية للعدول عن تانون الصشعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكونه أوفق بالمعنى وألصق بالمقام كقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [سورة طه، الآية: 118] ، فجاء بالجوع مع العرى وبالظمأ مع الضحو وكان الظاهر خلافه ومنه قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جواد اللذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسأل الزق الرويّ ولم أقل لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال
وإيضاحه أنه في الآية قرن الجوع الذي هو خلوّ الباطن بالعرى الذي هو خلوّ الظاهر
والظمأ الذي فيه حرارة الباطن بالضحاء الذي فيه حرارة الظاهر كما قرن امرؤ القيس علوّه على الجواد بعلوّه على الكاعب لأنهما لذتان في استعلاء وبذل المال في شراء الراح ببذل الأنفس في الكفاح الرابح بسرور الطرب وسرور الظفر وكذا هنا آثر الضرّ لمناسبة ما قبله من الترهيب فإن انتقام العظيم عظيم، ثم لما ذكر الإحسان أتى بما يعمّ أنواعه، وفي شرح المتنبي للواحديّ تفصيل لهذا لكنها لما كانت فائدة جليلة تعرض لها المعرب هنا أحببنا أن لا يخلو هذا السفر عنها. قوله: (واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة (لأنه المناسب للمقام، وأمّا كون الخطاب للكفار وليس فيهم من يبشر فقد ردّ بأنه ليس بمتعين إذ يجوز عمومه، وأن يكون لأهل مكة مطلقا سواء مسلموهم وكافروهم مع أنه يجوز تبشيرهم إن آمنوا وعملوا الصالحات وهو غير

الصفحة 35