كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

عنه منهم وأنه ممن أوثق نفسه، وسواري جمع سارية وهي العمود، وقوله: (على عادته) هي أنه إذا قدم صلى الله عليه وسلم من سفر دخل المسجد وصلى ركعتين قبل دخول منزله، وحديث السواري أخرجه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس) 1 (رضي الله عنهما وهذه صلاة الفتح وهي سنة.
قوله: (والواو إما بمعنى الباء الخ) الشاة الواحدة من الغنم ذكراً أو أنثى ضأناً أو معزاً وتطلق على الظباء، وجمعها شاء بالمد والهمزة آخره وهمزة بدل من الهاء بدليل جمعه على شياه وليس هذا محل بيانه وكونه الواو بمعنى الباء نقلوه عن سيبويه رحمه الله، وقالوا إنه استعارة لأنّ الباء للإلصاق والواو للجمع وهما من واد واحد، وقال ابن الحاجب رحمه الله: أصله شاة بدرهم أي كل شاة بدرهم وهو بدل من الشاء أي مع درهم، ثم كثر فأبدلوا من باء المصاحبة واواً فوجب نصبه واعرابه بإعراب ما قبله كقولهم كل رجل وضيعته، وهو تكلف ولذا قالوا إنه تفسير معنى لا إعراب. قوله:) أو للدلالة على أنّ كل واحد منهما مخلوط بالآخر) في الكشاف كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر كقولك خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه، وفيه ما ليس في قولك خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء، وفي الانتصاف التحقيق في هذا أنك إذا قلت خلطت الماء باللبن فالمصرّح به الكلام أنّ الماء مخلوط، واللبن مخلوط به، والمدلول عليه لزوما لا صريحاً كون الماء مخلوطا به واللبن مخلوطاً، وإذا قلت خلطت الماء واللبن فالمصرّج به جعل كل واحد منهم مخلوطأ، وأما ما خلط به كل واحد منهما فغير مصرّج به بل من اللازم أنّ كل واحد منهما له مخلوط به محتمل أن يكون قرينه أو غيره، فقول الزمخشرقي: إنّ قولك خلطت الماء واللبن يفيد ما يفيده مع الباء وزيادة ليس كذلك فالظاهر أنّ العدول في الآية عن الباء لتضمين الخلط معنى العمل كأنه قيل عملوا صالحا وآخر سيئا، تال النحرير رحمه الله: يريد أن الواو كالصريح في خلط كل بالآخر بمنزلة ما إذا قلت خلطت الماء باللبن، وخلطت اللبن بالماء بخلاف الباء فإنّ مدلولها لفظاً ليس إلا خلط الماء مثلا باللبن، وأما خلط اللبن بالماء فلو ثبت لم يثبت إلا بطريق الالتزام ودلالة العقل، وتقرير صاحب المفتاح قريب من هذا حيث جعل التقدير خلطوا عملاً صالحا بسيء وآخر سيئأ بصالح إلا أنه جعل الصالح والسيىء في أحد الخلطين غيرهما في الآخر حيث قال بأن أطاعوه وأحبطوا. الطاعة بكبيرة وأخرى عصوا وتداركوا المعصية بالتوبة فالمخلوط على هذا ما يقابل المخلوط سواء كان هو المذكور بعد الواو وبالعكس أو لا بخلاف تقدير المصنف رحمه الله فإنه ذلك المذكور البتة حتى لا يجوز عنده خلطت الماء واللبن بمعنى خلطت الماء
بغيره سواء كان اللبن أو غيره، وخلطت اللبن بغيره سواء كان الماء أو غيره ويجوز عند السكاكي، وقال غيره إنّ هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك وهو مشهور (وفيه بحث) لأنّ اختلاط أحدهما بالآخر مستلزم لاختلاط الآخر به، وأمّا خلط أحدهما بالآخر فلا يستلزم خلط الآخر به لأن خلط الماء باللبن مثلاً معناه أن يقصد الماء أوّلاً ويجعل مخلوطا باللبن، وهو لا يستلزم أن يقصد اللبن أولاً بل ينافيه فخلط العمل الصالح بال! يىء معناه أنهم أتوا أوّلاً بالصالح، ثم استعقبوه سيئا وخلط السيىء بالصالح معناه أنهم أتوا أوّلاً بالسيىء، ثم أردفوه بالصالح فأحدهما لا يستلزم الآخر كما قال: وهو يرجح ما ذهب إليه السكاكي لكن ما ذكره من الإحباط مبنيّ على مذهب المعتزلة فتدبر. قوله: (أن يقبل توبتهم الخ) التوبة إذا أسندت إلى العبد معناها ظاهر، وإذا أسندت إلى الله فمعناها قبولها لأنّ أصل معناها العود فالعبد يعود إلى الطاعة والله يعود بإحسانه وتفضله عليه. قوله: (وهي مدلول عليها بقوله اعترفوا بذنوبهم) لما كانت التوبة من الله بمعنى قبول التوبة تقتضي صدور التوبة عنهم جعل الاعتراف دالاً عليها لأنه توبة إذا اقترن بالندم والعزم على عدم العود وكذا لو قدر فتابوا عسى الله أن يتوب عليهم وقوله: (روي الخ) أخرجه ابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما) 1 (، وقوله: (فتمدّق بها) أي ضعها مع الصدقات فيما تريد. قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} الخ جوّزوا في ضمير تطهرهم أن يكون خطابا للنبيّ صلى الله

الصفحة 359